يشرع الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون في جولة إفريقية تدوم أربعة أيام هي الأولى من نوعها منذ فوزه بعهدة ثانية في قصر الاليزي شهر افريل الماضي، تشمل دول الكاميرون والبنين وغينيا بيساو. وتهدف جولة الرئيس الفرنسي الى اعادة ترتيب أوراق الدبلوماسية الفرنسية في مستعمراتها السابقة في محاولة لمنع خروج مستعمراتها السابقة عن دائرة تأثيرها لصالح دول منافسة أخرى كما حصل مع دولة مالي وتنامي العداء لفرنسا في الأوساط الشعبية الإفريقية بصفتها قوة استعمارية سابقة. وعلى عكس زياراته السابقة التي كانت تشمل عادة دول الساحل الإفريقي الذي تعتبره باريس بمثابة عمقها الاستراتيجي والأمني في إفريقيا فقد وقع الاختيار هذه المرة على دول من منطقة وسط إفريقيا ضمن رسائل للتأكيد على أن باريس لن تفرط في دول كانت في دائرة اهتماماتها الأولى. ولذلك فان إدراج دولة البنين ضمن هذه الجولة جاء في أشبه برسالة إلى السلطات الانتقالية في مالي التي قطعت الصلة بباريس في اكبر انتكاسة دبلوماسية لفرنسا وخاصة وأن دولة البنين أصبحت تعاني من تصاعد الخطر الإرهابي المتمدد بشكل أخطبوطي من دول منطقة الساحل باتجاه دول غرب إفريقيا الأخرى التي وجدت نفسها في دوامة عنف كانت إلى وقت قريب بعيدة عن تداعياته. وهو ما جعل الرئاسة الفرنسية تؤكد أن الجولة التي تدوم ستكون مناسبة للرئيس ماكرون لتأكيد تعهداته في اطار تجديد علاقات بلاده مع القارة الإفريقية. وركز الرئيس ماكرون زياراته خلال عهدته الأولى الى افريقيا على دول الساحل بالنظر إلى انخراط بلاده العسكري في عملية ملاحقة عناصر التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة وأيضا باتجاه دول ناطقة بالإنجليزية منها نيجيريا وجنوب إفريقيا وإثيوبيا، محاولة منه للعب في نطاق دائرة تأثير المملكة المتحدة التي كانت تستعد للانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي. وزاد اهتمام فرنسا بمستعمراتها السابقة في ظل تفضيل بعضها التعامل اكثر فاكثر مع قوى دولية صاعدة وعلى رأسها الصين وروسيا وألمانيا وحتى تركيا والهند واليابان التي دأبت هي الأخرى على عقد لقاءات ثنائية مع دول القارة لاستقطابها إلى جانبها والخروج من دائرة الدول الاستعمارية السابقة التي لم تجلب لها سوى الفقر والتخلف والصراعات والحروب الأهلية. ووجدت فرنسا نفسها في دوامة التوفيق بين نزعتها الأبوية التي سلطتها على مستعمراتها السابقة طيلة سبعين عاما وبين رغبتها في مقارعة دول تريد كسب ود دول قارة توصف بالقارة العذراء واستغلال خيراتها الطبيعية بعيدا عن أي حسابات أخرى. وتبقى عقدة الأبوية الفرنسية سببا في تراجع دو باريس في مستعمراتها وتراجع شعبيتها التي اهتزت في سياق مظاهرات شعبية متلاحقة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وحتى تشاد طالب خلالها المشاركون فيها بخروج فرنسا من بلدانهم وتركهم لحالهم متهمين القوات الفرنسية بالفشل في تحييد عناصر التنظيمات الإرهابية التي جعلت منها ذريعة لتعزيز تواجدها العسكري وبدليل تزايد الخطر الإرهابي الذي امتد نطاقه إلى مناطق كانت في منأى عنه. وهو ما يجعل من الصعوبة على الرئيس الفرنسي رأب الصدع الذي خلفته تراكمات سياسات بلاده الاستعلائية في افريقيا ويجعل من هذه الزيارة مجرد زيارة لإظهار الاهتمام بالقارة ضمن صراع ما انفك يستعر مع قوى عالمية أخرى وعلى راسها الولاياتالمتحدة التي سيعقد رئيسها جو بايدن قمة أمريكية بالعاصمة واشنطن قبل نهاية العام مع قادة دول إفريقيا لضبط استراتيجية بلاده لاحتلال موطئ قدم لها في قارة أصبحت محل استقطاب وصراع دولي متزايد.