تحتفل المؤسسة العسكرية اليوم الخميس، باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي في سابقة هي الأولى من نوعها منذ استقلال الجزائر، تخليدا لتاريخ تحويل جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي ضمن قرار اتخذه رئيس الجمهورية، بداية العام الجاري، تقديرا لهذه المؤسسة وجهودها في مسيرة البناء الوطني والمحافظة على الوحدة الوطنية. ويحتفى بهذا اليوم الوطني على مستوى جميع مكونات الجيش الوطني الشعبي وطنيا، من خلال تظاهرات وأنشطة وتسليم أوسمة وتكريمات، عرفانا وتمجيدا لشهداء ومجاهدي ثورة التحرير وشهداء الواجب الوطني وكبار معطوبي مكافحة الإرهاب وأفراد الجيش على تفانيهم وتضحياتهم الجسام. ومن دون شك سيحسب فضل هذا الإنجاز للرئيس عبد المجيد تبون، باعتباره الراعي الأول للمؤسسة العسكرية وقائدها الأعلى والذي يسهر منذ انتخابه رئيسا للجمهورية، لتكون القوات المسلّحة جاهزة وقادرة على دحر الأعداء، ودرء الأخطار الجديدة التي أفرزتها العولمة وفي مقدمتها التحديات الأمنية والإرهابية والجيو سياسية. الجيش خرج من رحم معاناة الشعب جيش التحرير الوطني لم يؤسس بمرسوم أو قرار فوقي، بل خرج من رحم المعاناة التي ألمت بالشعب الجزائري جراء الاستعمار الفرنسي، والظروف المحيطة بالثورة والاستراتيجية التي اعتمدتها لبلوغ هدفها الأسمى لتحقيق الاستقلال الوطني. وتكوّن جيش التحرير الوطني من عناصر مؤمنة بالكفاح المسلّح، عرفت كيف تستفيد من تجارب وتقاليد شعبها التوّاق للحرية، واقتنعت أنه لا يمكن تأسيس جيش كلاسيكي لمواجهة القوات الاستعمارية، بل كانت ترى في الزخم الشعبي قوة حقيقية يمكن الاعتماد عليها من خلال تبنّيها لقضيتها العادلة. وأخذ قادة الثورة على عاتقهم مسؤولية وضع هياكل جيش وطني تحرري، بتشكيل مجموعات صغيرة قادرة على خوض حرب عصابات، تبعا لظروف المعركة التي كان ينبغي خوضها مع الجيش الاستعماري الذي كان متفوقا عدة وعددا. ومكّن السند الشعبي الذي لقيه جيش التحرير الوطني وازدياد عدد المنخرطين في صفوفه إيمانا بالثورة ودفاعا عن الوطن من مواصلة مسيرة كفاحه، حيث بدأ في تحسين وتطوير هياكله بصفة تدريجية وفقا لمعطيات الحرب حتى حلول تاريخ 20 أوت 1956 مع انعقاد مؤتمر الصومام. ومع انجاز جيش التحرير لمهمته التي توجت بالاستقلال الوطني، وحتمية تكوين جيش نظامي قادر على حماية هذا المكسب، أعلن عن تحويل جيش التحرير إلى جيش وطني شعبي في الأيام الأولى من الاستقلال، بهدف وضع تشكيلاته تحت سلطة مركزية واحدة. وأمام الأخطار التي واجهتها البلاد غداة الاستقلال، والتي كانت تهدد التماسك الوطني والأمن الداخلي بسبب أعمال التخريب المادي الذي تعرضت له المؤسسات على يد منظمة الجيش السري "أو. أ. أس" بتواطؤ مع الخونة والقيام بأعمال الشغب وإشاعة الفوضى، كان على الجيش الوطني الشعبي تصفية هذه الجيوب وتحقيق الأمن والاستقرار، متحمّلا في ذلك الظرف العصيب مسؤولية تشغيل المرافق في جميع الظروف. كما اضطلع الجيش الوطني الشعبي بمهامه بمساهمته الفعّالة في المشروع الوطني الهادف إلى استكمال الاستقلال في جميع ميادين النشاط، في الوقت الذي اعتبرت فيه مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، ركنا من أركان استقرار وقوة وهيبة الدولة، والداعم الأول لمنجزاتها وتطلعاتها على الصعيدين الداخلي والخارجي، مما جعل المؤسسة تكتسب مكانة خاصة في وجدان وقلوب الجزائريين منذ الاستقلال. وبدا واضحا بأن تسمية الجيش الوطني الشعبي اختيرت بعناية من قبل الرعيل الأول من الآباء المؤسسين، من أجل ضمان استمرار علاقة التآخي والتلاحم بين الجيش النظامي الجديد والشعب مثلما كانت عليه أثناء ثورة التحرير، وكذا المضي قدما في بناء الدولة الجزائرية الحديثة وحمايتها. وبعد أقل من عام من استقلال الجزائر نهض الجيش الوطني الشعبي وبمؤازرة قوية من الشعب للتصدي لعدوان نظام المخزن على التراب الوطني في شهر أكتوبر 1963، فيما عرف ب"حرب الرمال"،حيث سقط خلالها مئات من الشهداء دفاعا عن حرمة البلاد. ويرى مراقبون أن سن هذا اليوم للاحتفاء بالجيش والذي طال انتظاره يعد محطة سنوية لتجديد التواصل والتلاحم بين الشعب وجيشه، خصوصا الشباب والطلبة من الجيل الجديد للتعرّف على ما أنجزته هذه المؤسسة العريقة في مختلف المجالات، ومنها التحكم في التكنولوجيا العسكرية والنهوض بالصناعة العسكرية، وكذا قوة الردع المحققة برا وبحرا وجوا لكبح جماح الأعداء والغزاة المحتملين في أي زمان ومكان. مرافق دائم للتنمية وبالإضافة إلى البعد الأمني ظل الجيش الوطني الشعبي مرافقا دائما للتنمية، إذ ساهم صدور قانون الخدمة الوطنية في 16 أفريل 1968، في تمكين الجيش من الاستفادة من خبرة العديد من الإطارات الجامعية لتحقيق أهداف التنمية الوطنية في المناطق المحرومة، وتجلّت مظاهرها في بناء القرى النموذجية والمدارس والثانويات والجامعات للحد من ظاهرة النزوح نحو المدن الكبرى. كما عمل أفراد الجيش الوطني الشعبي منذ سنة 1971، على إقامة السد الأخضر بغرض مكافحة زحف الرمال والتصحر نحو مدن الشمال، ضمن مشروع ممتد على مساحة تفوق 3 مليون هكتار وعلى طول مسافة 160 كلم و20كلمعرضا. وتعددت الانجازات أيضا من خلال تحقيق عدة مشاريع كالمخطط الرباعي الأول، والبرامج الخاصة بتنمية المناطق الريفية والفقيرة عبر بناء القرى النموذجية ومختلف مرافقها الحيوية، وبناء سدود جديدة وإصلاح القديمة منها وشق الطرق وحفر الآبار ومد الأنابيب وأعمدة الكهرباء والهاتف . كما ساهم أفراد الجيش الوطني الشعبي في فك العزلة عن المناطق النائية ببناء المدارس والثانويات والجامعات في كثير من ولايات الوطن، إضافةإ لى إنجاز العديد من المطارات المدنية وخاصة بولايات جنوب البلاد، فضلا عن شق الطرق السريعة وخطوط السكة الحديدية. وباعتبار الجزائر جزءا لا يتجزأ من القارة الإفريقية، فقد بدأت منذ الاستقلال في تحقيق هذه الوحدة عبر إنشاء طريق عابر للصحراء يوم 16 سبتمبر 1971، لتمتين الروابط مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، مما يسهل التعاون المتبادل وتوطيد العلاقات بين الجزائر وهذه الدول. وساهم الجيش بشكل كبير في تطهير حقول الألغام الممتدة على طول خطي شال وموريس التي خلّفها الاستعمار الفرنسي وبلغت نحو 9 ملايين لغم، وأدت إلى سقوط أكثر من 4800 شهيد خلال الثورة وحوالي 2500 ضحية بعد الاستقلال، حسب إحصائيات رسمية قدمتها الجزائر لمنظمة الأممالمتحدة عام 2019. كما شارك الجيش الوطني الشعبي على مدار الستين عاما الماضية، في مهمات وطنية كبرى للإنقاذ ومساعدة الضحايا في مختلف الكوارث الطبيعية التي شهدتها الجزائر وأبرزها زلزال الشلف "الأصنام سابقا" في 10 أكتوبر 1980، وزلزال عين تيموشنت سنة 1999، وفيضانات باب الوادي في 10 نوفمبر 2001، وزلزال بومرداس في 21 ماي 2003. ونذكر أيضا الصور الرائعة لتلاحم الجيش الشعبي الوطني مع الشعب عندما استشهد 27 جنديا وهم يحاولون مساعدة ضحايا الحرائق التي شهدتها بعض ولايات الوطن خلال الصائفة الماضية.