يعدّ نوري بوزيد من أهمّ المخرجين التونسيين خلال السنوات الأخيرة نظرا لأعماله المثيرة للجدل والتي تمسّ بشكل أساسي الثالوث المحرم، أنتج نوري بوزيد المتخرج من الجامعة البلجيكية العديد من العمال من بينها "ريح السدّ"(1986)، "صفايح ذهب" (1988)، "حرب الخليج وبعد؟" (1991)، "بزناس" (1992)، "بنت فاميليا" (1997)، "عرائس الطين" (2002)، "آخر فيلم" (2006).. يزور المخرج الجزائر في إطار ملتقى السينما الإفريقية، "المساء" التقته وأجرت معه هذا الحوار. * تشاركون خلال حضوركم للجزائر في أشغال ملتقى السينما الإفريقية، كيف تقيّمون هذا الملتقى ؟ - ليس هناك شيء جديد تمّ ذكره في هذا الملتقى، قبل أربعين سنة كنا نطرح نفس المشاكل بالنسبة للسينما الإفريقية، الشيء الوحيد الجديد هو زيادة عدد المخرجين وظهور جيل من المشتغلين في الفن السابع فالجديد هو كمي وليس كيفي، وليس هناك أيّ طفرات خارقة بالنسبة في الجيل الجديد من المخرجين الشباب، لا يوجد اسم مثل سليمان سيسي أو إدريس أودرقو، الاسم الوحيد الذي أبهرنا منذ عامين كان فيلم "تيسا" وقام به مخرج من الجيل القديم، وأعتقد أنّ سبب ذلك يعود إلى أنّ الجيل الجديد لا يؤمن بمهنة اسمها الإنتاج ويريد أن يفعل كلّ شيء، لكن الملتقى في حدّ ذاته مهم جدا وفرصة للقاء والحديث والتبادل. * لكنّكم اليوم بيننا في إطار الملتقى الإفريقي حول السينما في القارة السمراء؟ - صحيح، وأنا سعيد بزيارة للجزائر، وكنت أرغب فعلا في زيارة الجزائر خلال مهرجان وهران للفيلم العربي خاصة انه لم يسبق لي أن زرت مدينة وهران.. في السابق كنت أتعامل كثيرا مع سينماتيك الجزائر وكلّما أنتج فيلما جديدا أحضره للجزائر وأقوم بجولة مع السينماتيك في مختلف ولاياتها عبر التراب الجزائري . اعتبر حضوري اليوم دينا عليّ للجزائر التي منحتني جائزة أفضل فيلم في الدورة الأولى لمهرجان الفيلم العربي، وقد سعدت بذلك كثيرا واعتبرته شرفا وتمنّيت لو كنت موجودا. * ألا تعتقدون أنّ السينما التونسية أصبحت تركّز كثيرا على الثلاثي المحرم "الدين، الجنس والسياسة" حتى أنّ هناك من يقول أنّ هذا الاهتمام المفرط جاء سعيا وراء الشهرة وحصد الجوائز العالمية؟ - لكن لماذا لا يقال أنّ هذا التركيز نابع من اهتماماتي الحقيقية بتلك المواضيع التي هي حقيقة موجودة في مجتمعي، وهي كذلك فعلا، أنا أرى أنّ هذه المواضيع ضرورية وملحّة وعندما أفرغ منها أبحث عن مواضيع أخرى..قلت أنّ الأفلام التونسية تتجه للمحرّمات الثلاثة من أجل الجوائز، وبالنسبة لي أهمّ مخرج عربي حصل على جوائز مهمة هو محمد لخضر حمينة دون أن يلمس المحرّمات الثلاثة، يعني أنّ الجوائز لا علاقة لها بهذه الحسابات..عندما أتحدّث عن المحرّمات الثلاثة في تونس مشكلتي ليست الجوائز ولكن مشكلتي الأساسية هي أنّ تمنع أو توقف الرقابة الفيلم. * يعرف نوري بوزيد بتجنّبه التمويل الأجنبي لاسيما الفرنسي، هل لأنّه يخشى من الضغوطات ومحاولات تشويه الفيلم ؟ - هناك نوعان من التمويل في فرنسا، هناك تمويل المؤسّسات الثقافية وهذا لا ضرر فيه على غرار "صندوق الجنوب" الذي كثيرا ما يديره مخرجون من الضفة الأخرى على غرار مفيدة تلاتلي. والتمويل الفرنسي الذي أخشاه أنا هو عندما يكون من طرف منتج فرنسي خاص، بمعنى أنّ التمويل الخاص قد يجرّ معه شروطا يسعى الممول لتمريرها لا سيما بالنسبة للغة، وبالنسبة لي مستحيل أن أقدّم فيلما تونسيا بغير لغة البلد، وهذا أمر أساسي وقطعي ولا أقبل النقاش فيه لأنّ له علاقة بالهوية، الشخصية، الانتماء والثقافة.. المنتج الفرنسي الخاص يسعى إلى ذلك دائما لأنّ ذلك يمكّنه من الحصول على تمويلات أخرى وعلى توزيع أسهل على القنوات التلفزيونية الأوربية وبأسعار أهم. * هل تقصدون بذلك أنّ التمويل الفرنسي ليس مصحوبا بضغوط على مستوى مضمون العمل؟ - لا أعتقد ذلك حتى بالنسبة لما يروج ضدّ الأفلام المغاربية بشكل عام بما فيها الجزائرية، ففيلم "البيت الأصفر" أعجبني كثيرا وكذلك فيلم "مسخرة" لالياس سالم، "فيفا لجيريا" لندير مخناش وكذا فيلم "دليس بالوما" تمّ إخراجها بشكل جيّد، وعتابي الوحيد هي استعمال اللغة الفرنسية، أمّا بالنسبة للمضمون فالمخرج حرّ في تقديم نظرته لمجتمعه وتبقى نظرته الخاصة ولا تمثّل بالضرورة المجتمع. كما أنّ هذا النوع من التمويل حقيقة، وليس لنا إلاّ القبول به وأنا أسعد كثيرا عندما أرى أنّ مخرجا من أصول مغاربية أنجز فيلما لقي استحسانا أو نجاحا، فلا أرى أنّ هذا النوع من الإنتاج مداهن لفرنسا. * وماذا عن جديد نوري بوزيد؟ - بعد النجاح الكبير لفيلمي الأخير قدّمت عملين رفضتهما لجنة القراءة مرّتين، الأوّل بعنوان "ميل فاي" يبرز معاناة فتاتين تعملان في محل لبيع الحلويات أحداهما ترتدي الحجاب تحت ضغط خطيبها والأخرى تنزع حجابها تحت ضغط حاجتها للعمل كمضيفة في القاعة، وهنا بالضبط أريد أن أتحدّث عن الحراريات الفردية، أمّا المشروع الثاني فخاص بالحياة الجنسية لفتاتين قبل الزواج ويحمل عنوان "اسكت عيب". * في هذه الحالة عندما تغلق الأبواب في وجه نوري بوزيد من السلطات الرسمية التونسية هل يلجأ إلى اوربا؟
- أنا لا اتّجه إلى أوربا إلاّ إذا كنت في موقع قوّة، بمعنى أن أكون قد حصلت على دعم بلدي ولا أحتاج إلاّ تكملة لميزانية العمل وذلك لأتجنّب الضغط بالنسبة للغة كما ذكرت، ولا تفرض عليّ وجوها فرنسية معروفة تعطي بعدا آخر لعملي، هدفي هو انجاز فيلم تونسي حقيقي يحكي المجتمع التونسي باللهجة التونسية.