دعا أساتذة ومختصون في التراث خلال الملتقى الوطني الأوّل "التراث الثقافي في قسنطينة، تاريخ وممارسات ورهانات"، المنظم بدار الثقافة "مالك حداد"، بالتنسيق مع مركز البحث العلمي والتقني في علم الإنسان الاجتماعي والثقافي بوهران، ومخبر "التاريخ تراث ومجتمع" بجامعة قسنطينة، إلى إعطاء أهمية كبرى للتنقيب والبحث وترسيم التراث المادي الجزائري الزاخر. كشف البروفيسور عبد القادر دحدوح، من المركز الجامعي بتيبازة، عن أنّ الجزائر تضمّ أكثر من 100 ألف موقع أثري، يحتاج إلى إماطة اللثام ونفض الغبار عنه، مضيفا أنّ هناك 15 ألف موقع أثري مرسّم، وفق دراسات وأبحاث، تعود إلى سنة 1911، حيث دعا إلى إطلاق عملية مسح شاملة، عبر التراب الوطني، لإعداد خارطة أثرية، يمكنها أن تنفع الجماعات المحلية ومختلف القطاعات. مشيرا إلى أنّ عمر الجزائر 2,4 مليون سنة، وهي ثاني أقدم مكان في العالم، وتزخر بتراث تاريخي ومعماري متنوّع وكبير، وأبرز أهمية استغلال التراث الثقافي في التنمية المحلية والتنمية المستدامة، وكذا تطوير الاقتصاد الوطني بشكل جديد، في ظلّ توفّر كلّ الموارد اللازمة. كما أوضح دحدوح خلال مداخلته بعنوان "التراث الثقافي في الجزائر وآليات استغلاله في التنمية الاقتصادية"، أنّ هذا الموضوع يستمد أهميته من حجم كتلة الإيرادات المالية في الاقتصادات العالمية التي تهتم بالاقتصاد الثقافي على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي بلغت إيرادات السياحة بها سنة 2019، حوالي 239 مليار دولار، ثم فرنسا ب70 مليار دولار فإيطاليا ب51 مليار دولار وتركيا 41 مليار دولار ومن الدول العربية مصر ب14 مليار دولار. وأشار البروفيسور إلى أنّ العديد من الدول باتت تعتمد بشكل كبير على مدخول الاقتصاد الثقافي بما فيها السياحة وتثمين الموروث المادي وغير المادي، بشكل كبير في الإيرادات العامة للدخل الإجمالي الوطني، على غرار الرأس الأخضر التي تمثل مساهمة السياحة نسبة 56 %، من مجموع الإيرادات العامة، لبنان ب47 % والأردن التي تمثل 41 %، مصر ب26 % وتركيا ب16 %. وحسب مقدّم المداخلة الافتتاحية، فإنّ الجزائر سجّلت وصنّفت 7 مواقع ضمن قائمة التراث العالمي، وهي بذلك تحتل المركز ال 47 عالميا والرابع عربيا، مضيفا أنّ الجزائر صنّفت 11 تراث غير مادي ضمن التراث العالمي، ما أهّلها لاحتلال المركز ال 21 عالميا، معتبرا أنّ هذا التراث يعدّ عنصرا هاما في الجلب السياحي، وقال إنّه تمكن في عمل شخصي بالاستعانة بالأطلس الأدبي للجزائر، من تسجيل وجمع أزيد من 500 موقع أثري بولاية قسنطينة لوحدها، مضيفا أنّ وزارة السياحة والصناعات التقليدية، أحصت أزيد من 380 مسار سياحي و58 وجهة سياحية وأزيد من 1170 موقع سياحي. وتابع المتدخّل أنّ السلطات العليا في البلاد، أعطت أهمية كبيرة لتثمين الموروث الثقافي الجزائري، والدفع بالسياحة من خلال استغلال الإمكانيات الطبيعية الموجودة، مضيفا أنّ ذلك تجلى من خلال التزامات رئيس الجمهورية ال 19 و20 وكذا 46 والتسهيلات المقدّمة في منح التأشيرة، يضاف لها مخطّط عمل الحكومة الذي يهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني. ويرى الأستاذ بالمركز الجامعي بتيبازة، أنّ وزارة الثقافة والفنون تجسّد المجهودات الكبيرة المبذولة، من خلال السماح للخواص بالاستثمار في القطاع، مضيفا أنّ الإرادة موجودة، لكن الأمر يتطلب المزيد من العمل لتطبيق القوانين، وتجسيد الأفكار على أرض الواقع والرفع من عدد زوّار المواقع الأثرية الجزائرية الذي لا يزيد عن 2 مليون زائر في السنة. وبالمقابل يوجد 10 ملايين زائر في السنة لمتحف اللوفر بفرنسا لوحده. ويسعى هذا الملتقى في طبعته الأولى، حسب مديرة دار الثقافة "مالك حداد" بقسنطينة، إلى الإسهام في إثراء النقاش الثقافي حول تراث مدينة قسنطينة في شقيه المادي وغير المادي، حيث تطرّق إلى عديد المحاور على غرار علاقة الجمهور بالتراث الثقافي في مدينة قسنطينة، رهانات وتسجيل التراث الثقافي، من خلال القراءة في النصوص القانونية والممارسات المؤسساتية، التراث الثقافي والسياسات العمومية، خاصة ما تعلق بشق التسيير والبناء ضمن السياقات المحلية والوطنية. من جهته، أبرز الأستاذ البروفيسور عمار مانع، مدير مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية من وهران، أن عقد هذا الملتقى جاء بمناسبة اليوم العربي للتراث الموافق ل27 فيفري من كل سنة، مضيفا أن احتضان قسنطينة لمثل هذه النشاطات يعود إلى قيمتها التاريخية والثقافية في المنطقة، وإلى تنوع تراثها ومدى أهمية في تعزيز الهوية الوطنية، وقال إن المناسبة فرصة سانحة لتعزيز مكانة المدينة كواحدة من أهم مدن العالم، وكذا تعزيز الوعي في الحفاظ على التراث والتأمّل في التاريخ الجزائري واستعراض الممارسات ومناقشة الرهانات لحماية وصون هذا التراث الثقافي، الذي يعدّ رمزا للهوية الوطنية.