لم يستفق اللبنانيون من صدمة الهجوم السيبراني الصهيوني، الذي استهدف، أول أمس، آلاف أجهزة "بيجر" اللاسلكية المحمولة ويستخدمها عناصر "حزب الله" ومواطنون لبنانيون وأدى إلى مقتل 12 شخصا وإصابة قرابة 2800 آخرين، 300 منهم حالتهم حرجة، حتى اهتزت البلاد على وقع انفجارات جديدة مسّت أجهزة اتصالات لا سلكية من نوع مختلف بعدد من المناطق خلّفت في حصيلة أولية ثلاثة قتلى وإصابة العشرات. أفادت تقارير إعلامية، أمس، بسماع دوي انفجارات في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي عدد من المناطق اللبنانية، استهدفت هذه المرة أجهزة الاتصال اللاسلكية من نوع "توكي ووكي" التي يستخدمها عناصر "حزب الله" وأيضا موظفون وعاملون في أجهزة الأمن والحماية المدنية. وحمّل "حزب الله"، الذي توعد بالقصاص، إسرائيل كامل المسؤولية عن هذه الهجمات غير المسبوقة والواسعة النطاق، متعهدا بمواصلة دعم المقاومة الفلسطينية التي تخوض منذ قرابة عام حربا شرسة ضد المحتل الصهيوني في قطاع غزة، أسفرت عن ارتقاء أكثر من 41 ألف شهيد وما لا يقل عن 96 ألف جريح. وأثار الهجوم السيبراني المثير موجة إدانة دولية عارمة، دفعت الأممالمتحدة للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنه كونه شكل جريمة لم يسلم منها حتى المدنيون العزل. وقال المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن "الاستهداف المتزامن لآلاف الأشخاص سواء من المدنيين أو عناصر لجماعات مسلحة من دون معرفة من كان بحوزته الأجهزة المستهدفة ومكان وجودها والبيئة التي كانت فيها وقت الهجوم، يشكل انتهاكا للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ..". كما أعربت الأممالمتحدة على لسان المنسقة الخاصة في لبنان، جينين هينيس بلاسخارت، عن أسفها للانفجارات التي طالت أجهزة تلقي الرسائل المعروفة ب"بيجر" في عديد المناطق اللبنانية وأسفرت الثلاثاء عن إصابة آلاف الأشخاص، العديد منهم جراحهم خطيرة، فضلا عن فقدان أرواح، من بينهم طفلين. وذكرت المنسقة الخاصة، في بيان صحفي جميع الأطراف المعنية بأن المدنيين وفقا للقانون الدولي الإنساني لا ينبغي أن يكونوا هدفا ويجب حمايتهم في جميع الأوقات. وقالت "بلا شك فإن سقوط ضحية مدنية واحدة هو أمر غير مقبول". كما شدّدت على ضرورة استعادة الهدوء بشكل عاجل ودعت إلى جعل الاستقرار أولوية قصوى وقالت إن المخاطر ستكون كبيرة للغاية في حال لم يتم التحرك بهذا الاتجاه. من جانبه، حذّر وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، في اتصال هاتفي مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، من خطورة التصعيد وجر المنطقة إلى حافة الهاوية.ووفقا لبيان الخارجية اللبنانية، فقد وعد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالدعوة إلى مشاورات أوروبية ل"دراسة ما يمكن اتخاذه من خطوات ومواقف تساهم في لجم التصعيد وخطر الحرب الموسعة".وقال الرئيس الايراني، مسعود بزشكيان، إن انفجار أجهزة الاتصال اللاسلكي المحمولة التي يستخدمها عناصر حزب الله بتلك الطريقة التي خلفت قتلى وآلاف الجرحى تشكل "عارا" على الدول الغربية وخاصة الولاياتالمتحدة حليفة إسرائيل. ولنفي أي مسؤولية لها في هذا الهجوم السيبراني الصهيوني على لبنان، سارع كاتب الدولة الأمريكية، انطوني بلينكن، للتأكيد بأن الإدارة الأمريكية لم تكن على علم مسبق بالهجوم وفنّد تورطها. ووصف الكرملين الانفجار المتزامن في أنحاء لبنان السابق لأجهزة الاستدعاء التي يستخدمها حزب الله بأنه "تصعيد جديد للتوترات" في منطقة تقوضها الأزمات. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، للصحافة إن "المنطقة نفسها في وضع متفجر... وكل حادث مثل هذا يمكن أن يكون إطلاقا لحريق أوسع فيها". وأخذ هذا الهجوم غير مسبوق، والذي لم تعلن إسرائيل بعد مسؤوليتها عنه رغم أن كل المعطيات والأدلة التي تضعها في قفص الاتهام، أبعادا خطيرة خاصة بعد أن كشفت التحقيقات الأولية أن تلك الأجهزة كانت مفخخة بشكل مسبق، عبر إضافة كمية لا تتجاوز 20 غراما من مادة "الهكسوجين" المتفجرة. وهو ما أثار جدلا حادا خاصة وأن الشركة التايوانية "غولدن أبولو" المصنعة لأجهزة "البيجر"، أكدت في بيان لها، أمس، أنه لم يتم تصنيع هذه الدفعة من البضائع بالكامل في تايوان. وأدخل البيان المجر على خط الجدل المثير بتأكيده أنه تم تصنيعها بواسطة شركة أوروبية تحت أسم "بي أ سي" في المجر بموجب اتفاق يسمح لهذه الشركة استخدام علامتها التجارية، مضيفة أنه سيتم مقاضاة هذه الشركة. وأشار البيان إلى أن الجهات المختصة في تايوان فحصت صباح أمس، شركة "غولدن" وتبين أن هذه الأخيرة لم تسجل أي عمليات تصدير مباشرة إلى لبنان في السنوات الأخيرة.