الصحافة النسوية ظاهرة بارزة في ساحة الإعلام العالمي، تمخضت عن مسعى خصخصة الإعلام، وللجزائر تجارب في هذا المضمار منذ سنة 1970، حيث تظهر عناوين مجلات ثم سرعان ما تختفي لتحل محلها عناوين أخرى، تاركة وراءها جملة من التساؤلات من أبرزها: ما مدى نجاحها في طرح قضايا المرأة برؤى تستند إلى الواقع، خاصة في ظل غياب عامل الاستمرارية؟ عبر جولة في بعض المكتبات المنتشرة في العاصمة، يظهر جليا للقارئ أن المطبوعات المحلية التي تهتم بعالم المرأة تكاد تعد على الأصابع مقارنة بالمطبوعات الأجنبية، سواء منها العربية أو الأوروبية، حيث أن الصحافة النسوية في الجزائر تختصرها ثلاث مجلات، اثنتان ناطقتان بالفرنسية والثالثة تصدر شهريا بطبعتين إحداهما بالفرنسية والأخرى بالعربية، فيما توفقت مؤخرا إحدى المجلات المهتمة بعالم الحلاقة النسوية عن الصدور. والملفت أن المجلات التي تخاطب حواء في الجزائر تعد فتية بالنظر إلى تواريخ صدورها، وهي في مجملها تصدر بعبارات رنانة وصور جذابة لنساء شابات يطللن على الأغلفة، كما أن بعضها يركز على المظهر والموضة اللباسية والديكور، وكذا بعض الأخبار الخفيفة عن صحة الأم، الحياة الجنسية وتربية الأبناء، إضافة إلى بعض المواضيع ذات الطابع الاجتماعي. الصورة الجذابة طمست الصورة الواقعية وعن واقع الصحافة النسوية في الجزائر، تقول الصحفية رتيبة حيون من وكالة الأنباء الجزائرية، صحفية سابقة في مجلة "أنوثة" التي توقفت منذ بضع سنوات: » عدة عناوين خاصة بالصحافة النسوية غابت عن الساحة الإعلامية بدون مبررات واضحة، وهذا مؤشر على انعدام عامل الجدية في اقتحام عالم حواء للوصول إلى الأعماق، حيث تطفو الصورة الواقعية للمرأة الجزائرية بعيدا عن الصورة الجذابة التي تركز على إبراز جمال شكلها، قوامها ولباسها«. ولدى تقييمها لمدى نجاح تجربة الصحافة النسوية في الجزائر في أداء واجبها، من حيث توعية المرأة بحقوقها وطرح القضايا التي تشغلها، وكذا دورها في بناء المجتمع، ذكرت محدثتنا: » إن الصحافة الجزائرية النسوية لم تضع في العموم أجندة واضحة المعالم لطرح قضايا المرأة، اذ أنها استنساخ لصورة المرأة في الغرب من حيث الذوق والمعايير والجمال.. في حين ينصب اهتمام بعض القائمين على المجلات النسوية على الأزياء ومصمميها، مع تسليط الضوء على بعض العادات والتقاليد، ونتيجة ذلك، هي أن تناول الصحافة النسوية لبعض المواضيع التي تخص المرأة بقي سطحيا، لا سيما وأنها تركز على بعض العينات من نساء المدن متجاهلة المشاكل الحقيقية للمرأة الريفية، التي تبقى بأمس الحاجة إلى من يرفع الستار عن معاناتها اليومية«. واعتبرت الصحفية رتيبة حيون، أن الصحافة النسوية في الجزائر بحاجة إلى تغيير طبيعة المضامين، وهو الأمر الذي يتوقف على همة قلوب حية تغوص في الواقع وليس على أشخاص يسكنون في برج عاجي. مؤكدة أن النجاح لا يحالف إلا أصحاب الرسائل الهادفة، ذلك أن عدة مجلات نسوية ظهرت ثم سرعان ما توارات عن الأنظار، رغم أنها لم تكن تفتقر للإمكانيات المالية، والسبب بسيط، هو أنها كانت تخدم المصالح الشخصية فحسب. وتختم الصحفية تصريحها بالقول: » هناك طاقات بشرية كثيرة مؤهلة في الجزائر، لكن ما ينقصها هو فتح المجال لها لتفجير طاقاتها بإصدار مطبوعات تحدث التغيير المطلوب في نوعية المضامين، لإحداث ثورة في عالم المرأة التي تمثل نصف المجتمع«. لابد من الموازنة بين احتياجات المرأة وفي تصريح ل "المساء"، أعربت الصحفية وردة محمد، رئيسة تحرير سابقة في مجلة "الدزيريات"، الطبعة الناطقة بالعربية، عن أملها في أن ترقى الصحافة النسوية في الجزائر إلى المستوى الذي يسمح لها بالخروج عن دائرة الزينة، المظهر وترتيب البيت، باعتبار أن انشغالات المرأة لابد أن تنتقل من الاهتمام بالمظهر الخارجي إلى الاهتمام بنمط تفكيرها ورفع درجة وعيها، مما يجعل في متناول حواء مطبوعات توازن بين الحاجة إلى الرفاهية، التجميل والرغبة في التثقيف وإيجاد الحل للمسائل التي تشغلها. وهذا هو الهدف الذي تطمح مجلة "الدزيريات" إلى تحقيقه - تضيف الصحفية وردة - من خلال إبراز صورة المرأة التي تجمع بين الأناقة، المستوى التعليمي المقبول والسلوك الواعي، الذي يخول لها أن تكون ربة بيت صالحة أو صاحبة مركز اجتماعي مرموق. وعلى هذا الأساس، تتضمن المجلة أركانا متنوعة تتعلق بالموضة، الماكياج، الموسيقى، آخر تكنولوجيات الهاتف النقال، الحياة الجنسية، إلى جانب برمجة مواضيع اجتماعية تسلط الضوء على القضايا التي تثير اهتمام النسوة، وذلك بناء على نتائج استبيان قامت به المجلة. ولدى إجابتها عن سؤال "المساء" حول طبيعة الشريحة التي تستقطبها المجلة، أوضحت أنه بناء على نتائج نفس الاستبيان، تبين أن طبيعة غلاف المجلة لا تستقطب سوى الفتيات الشابات، خاصة وأن الرسائل التي تصل إلى مقر المجلة تعود كلها إلى العنصر النسوي، مما أدى بالمشرفين عليها مؤخرا إلى خوض تجربة إصدار مجلة رجالية. والجدير بالذكر، أن سعرها المقدر ب200 دج جعل منها مجلة "برستيج"، باعتبارها ليست في متناول الجميع. وبخصوص مسألة عدم صمود العديد من المجلات النسوية الجزائرية في السوق الإعلامي، تقول الصحفية وردة محمد : » أعتقد أن المشكلة تكمن في كون الاستمرارية متوقفة على الدعم المالي الذي تتلقاه المؤسسة الإعلامية، فبقدر ما يحتاج العمل الصحفي إلى طاقات بشرية مؤهلة، يتطلب أيضا إمكانيات مالية معتبرة قد لا يؤمنها سوى الإشهار، وذلك قياسا على مقولة أن "الإشهار والصحافة المكتوبة كالحبل والمشنوق"«.