إذا كانت العلاقات بين الدول تتعرض لفترات من الفتور أو حتى القطيعة، فإن الحال بين الجزائر والسودان كان عكس ذلك منذ استقلال السودان سنة 1956 ثم استقلال الجزائر سنة 1962، فلقد ظلت متينة متينة، وظل الجزائريون يذكرون بلد السودان ويربطونه بكل ذكرى جميلة، لذلك فإن الجزائريين لا يمكنهم أن ينسوا أمرين خالصين من السودان، أولهما الراحل جعفر النميري (أول رئيس للسودان) وثانيهما الأغنية السودانية الشهيرة التي حفظها الصغير والكبير عندنا والتي يقول مطلعها "تحية حب من السودان". يندهش بعض الأشقاء السودانيين الذين يزورون الجزائر في المناسبات الرسمية وغير الرسمية، عندما يرون أن عائلات جزائرية تحمل لقب "نميري"، لكنهم سرعان ما يدركون أن ذلك نابع من أواصر الترابط بين الشعبين ويداعبون الجزائريين قائلين "لسنا ندري إذا كان النميري سودانيا أم جزائريا؟". حرص الجزائريون منذ استقلالهم على حفظ هذه الروابط وتعزيزها، وتكاد لا تخلو تظاهرة ثقافية تنظمها الجزائر ولا تدعو فيها ولو سودانيا واحدا، بل إن هناك تظاهرات كان للسودان فيها نصيب الأسد (كالامسيات الشعرية مثلا). الحقيقة أن العلاقات تعززت منذ فترة الثورة التحريرية حيث وقف السودان الشقيق حكومة وشعبا مع الجزائريين، ولم يكف هذا الشعب العربي الإفريقي عن تنظيم المظاهرات المساندة لجبهة التحرير الجزائرية، ولم يكف عن جمع التبرعات للمجاهدين، وبدورها لم تنس الجزائر هذه المواقف وما فتئت تعززها أكثر فأكثر، لذلك أصرت السلطات الجزائرية مباشرة بعد الاستقلال على إطلاق اسم "السودان" على واحد من أكبر وأعرق شوارع العاصمة، كي لا يمحى هذا البلد من الذاكرة الوطنية، والتسمية لا تزال الى اليوم بشارع أسفل القصبة السفلى بجنب جامع "كتشاوة" والذي يشهد أكبر حركة تجارية شعبية بالعاصمة. بدوره لم ينس السودان مواقف الجزائر الرجولية من قضية الرئيس عمر البشير الأخيرة وما أثير من جدل حول محاكمته واعتقاله. السودان ليس فقط بلد الضيافة والكرم، بل إنه بلد الثورة، وكانت أولاها ثورته ضد الحاكم المصري محمد علي الذي كان ينهب ثروات السودان ويستغلها لصالحه، إلى أن أتى الزعيم السوداني محمد أحمد عبد الله ليوحد السودان ويحرضه على مصر وعلى الإنكليز، وتمكن هذا الزعيم من قتل الحاكم العام البريطاني شارل غودن. نال السودان استقلاله سنة 1956 وكان أول رؤسائه جعفر النميري.