صار مشكل تسرب المياه القذرة نحو أقبية العمارات هاجساً كبيراً لدى السكان، فرغم حلول فصل الشتاء، إلا أن انتشار البعوض لم تنخفض حدته بالعديد من أحياء العاصمة، لا سيما بباب الزوار، عين النعجة، الحراش والدار البيضاء، ولم تنفع مع ذلك حملات رش المبيدات "المحتشمة" التي تقوم بها مصالح النظافة بالبلديات، وما يجعلنا نطرح سؤالاً عريضاً: لماذا يصر ديوان الترقية والتسيير العقاري بباب الزوار على الاستمرار في تفريغ الأقبية لأزيد من عشر سنوات، عِوَض إصلاح أعطاب القنوات. لا تزال وضعية الفراغات الصحية الواقعة أسفل العمارات بالعديد من أحياء العاصمة على حالها، ولم يجد السكان إزاءها حلاً مناسباً، يخلصهم من "غزو البعوض" حتى في عز الشتاء، أما في فصل الصيف فحدث ولا حرج، فلا يجد المواطنون من ملاذ إلا شرائح "الباستي" التي تقضي على جزء وتشل حركة جزء آخر، مثلما يذكر لنا أحد مواطني حي اسماعيل يفصح ببلدية باب الزوار، التي تعد عماراتها الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة،. مشيراً إلى أن عملية التفريغ اليومي التي تقوم بها إحدى الشركات المتعاقدة من ديوان الترقية والتسيير العقاري، لم تعد تفي بالغرض المطلوب، متسائلاً عن عزوف الديوان إصلاح الأعطاب، والتخلص من المشكل نهائياً. فالزائر اليوم لحي اسماعيل يفصح الذي يضم 2068 سكناً يقف على هذه الظاهرة، فالروائح الكريهة عند مداخل العمارات تكاد تحبس الأنفاس، ولأن السكان تعودوا على ذلك - يقول أحد سكان حي الجرف - فإنهم صاروا لا يضيقون ذرعاً بالروائح المقززة، إضافة إلى كون المياه القذرة مصدراً لتكاثر البعوض والجرذان ومختلف الحشرات الضارة. ويعتقد أحد مواطني حي 5 جويلية الذي يعد أقل تضرراً، أن الأقبية التي تم تحويلها إلى سكنات، ورغم عدم شرعيتها، حلت جانباً من المشكل العالق الذي عجزت عن فكه المصالح المكلفة مباشرة بذلك، قائلاَ أن المواطنين الذين سمح لهم السكان بشغل الفراغات الصحية قاموا بإصلاح قنوات الصرف الصحي التي تعد جزءاً من مساكنهم الواقعة تحت سطح الأرض. من جهته، انتقد أحد السكان تماطل مصالح النظافة بباب الزوار التي قلماً تقوم برش المبيدات في الأقبية، ولا تتحرك إلا صيفاً، مطالباً المصالح المذكورة بالتحرك، ومساعدة المواطنين في التخلص من متاعب "الناموس" الذي نغّص حياتهم، وجعلهم ينفقون ميزانية إضافية على شراء "الباستي"، وما يسببه للمصابين بأمراض تنفسية من تعقيدات، خاصة وأن البعض يقوم بحرق الشرائح لتسريع القضاء على البعوض، مما يجعل الدخان المتصاعد سبباً في الإضرار بصحة الإنسان. وقد وجدنا الانطباعات نفسها بكل من أحياء الجرف، الصومام، 5 جويلية وسوريكال التي تحولت بها معظم الأقبية إلى مساكن وورشات عمل "تحتية"، فيما بقيت أخرى مفرغة عمومية للمياه المستعملة. وذكر محدثونا أن عدم تفعيل عمل لجان وجمعيات أحياء جعل الأمور تبقى على حالها، وصارت المحاولات الفردية لبعض المواطنين أشبه بصيحة في واد سحيق، فبعضهم اشتكى الأمر لمصالح البلدية وآخر راسل ديوان الترقية، فيما لم تحرك الأغلبية ساكناً، منتظرة ذلك من المصالح المعنية. من جهة أخرى، تنتقد مصالح البلدية تماطل المواطنين في التبليغ عن المشاكل العالقة وتملصهم من المسؤولية عند اقتضاء الحاجة، وفي هذا الإطار ذكر لنا الناشطون في الحركة الجمعوية بباب الزوار، أن السكان يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية، فأغلبية العمارات لم تشكل لحد الآن لجان التسيير، رغم أن القانون يفرض ذلك، وأن الموجودة منها لا تتحرك إلا بصعوبة كبيرة، كون الخلافات الهامشية وغياب ثقافة المدنية والتحضر بين الأعضاء، يجعل الأمور لا تتقدم إلى الأمام. ويرى محدثنا أن مصالح البلدية التي تمارس الكثير من البيروقراطية والتماطل، ولا تساعد على بعث لجان الأحياء ودعم جمعيات الأحياء، وبذلك تبث بذور اليأس في نفوس الأعضاء الفاعلين في المجتمع. مشيراً إلى أن الانطباع السائد لدى المواطنين هو أن الإدارة لا تتعاون مع المواطنين، لأنها لا تجد من يحاسبها.