جنت الجزائر خلال السنة المنقضية، حصادا دبلوماسيا وافرا سيعزز لامحالة دورها الإقليمي والدولي، مما سيجعل حصاد الدبلوماسية الجزائرية على المديين القريب والمتوسط، نوعيا، يمكّن الجزائر من أن تتبوأ على الأقل دور القائد الإقليمي المحب للسلام. والتوقف عند أبرز المحطات التي عرفتها الدبلوماسية الجزائرية وفق توجيهات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، يثبت أن نتائج ديناميكيتها خلال سنة 2009، كانت بحق، حصاد الدول الكبرى على المسرح الدولي من الناحيتين الديبلوماسية والسياسية. لقد استطاعت الجزائر بنضالاتها السياسية والدبلوماسية خلال السنوات القليلة الأخيرة، أن تقود إنجازات أممية، كانت فيها سباقة للدول الكبرى والصغرى على حد سواء، وليس مبالغة إذا قلنا في هذا الصدد، أن الاتفاقية الدولية لنزع السلاح وحظر الانتشار النووي، الموقع عليها في الأشهر القليلة الماضية من طرف الهيئة الأممية، قد ارتبطت بالجزائر وبنضالها حتى صارت أمرا واقعا، بعد أن وافقت عليه الدول الكبرى التي كان بعضها يرفض الانضمام إلى الاتفاقية، ويشهد عام 2009، أن الجزائر وقبل أن يصادق مجلس الأمن على لائحة لنزع السلاح وحظر الانتشار النووي دعت الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط إلى اعتماد مقاربة مشتركة تسمح بوضع آليات من شأنها أن تساهم في معالجة التوترات الأمنية التي قد تحدث في المنطقة بما في ذلك محاربة الإرهاب، كما طالبت الجزائر، جميع البلدان التي لم توقع على الاتفاقية الدولية لنزع السلاح وحظر الانتشار النووي بالانضمام إليها. وسيسجل التاريخ الدبلوماسي، أن حصاد الدبلوماسية الجزائرية عام 2009، لم يكن عاديا، بل كان نوعيا متميزا، وسيحفظ لامحالة، أن الجزائر استطاعت ضمن نضالها وتعاونها الدولي النشط في مجال مكافحة الإرهاب، أن "تجرّم الفدية" التي يشترطها الإرهابيون نظير إطلاق الرهائن، وذلك من خلال استصدار لائحة أممية تجرّم دفع هذه الفدية. وقد سبق هذا الإنجاز الباهر للدبلوماسية الجزائرية، خطاب رئيس الجمهورية الشهير بمناسبة الدورة ال64 للجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أكد بأن الجزائر تؤيد كلية استراتيجية محاربة الإرهاب وتدعو إلى ضرورة دعم العدة الدولية الخاصة بمكافحة تمويله من خلال المنع التام لدفع الفدية لمختطفي الرهائن، مشيرا إلى أن هذا الأمر بدأ يأخذ في السنوات الأخيرة أبعادا مخيفة لاسيما بعد أن ثبت أن مبالغ الفدية أصبحت تشكل المصدر الرئيسي لتمويل الإرهاب، مذكرا، بتبني الاتحاد الإفريقي هذا المنع، وتوجيهه نداء إلى الأممالمتحدة لتسارع إلى المشاركة في إضفاء الطابع العالمي عليه وتجسيده في صورة وإطار يكونان في مستوى التهديد الذي تشكله الظاهرة. وسيكتب التاريخ أيضا بالبنط العريض، أن سنة 2009 كانت زمن اعتراف العالم بصحة المقاربة الأمنية والسياسية التي تتبناها الجزائر على المستويات الإقليمية والجهوية والعالمية، فبعد احتضان الجزائر في أكتوبر الماضي بتمنراست لقاء لقادة الدفاع والأمن لمجموعة 5+5، وإقناع المشاركين في هذا الاجتماع التاريخي بواقعية وصحة المقاربة الجزائرية لقضايا الأمن والاستقرار والتنمية في حوض البحر الأبيض المتوسط، والساحل الصحراوي، أقرت الولاياتالمتحدةالأمريكية، بجدوى المقاربة الجزائرية التي ترتكز على الحوار لا التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وعلى التنسيق الأمني والمساعدة التقنية (التكوين والسلاح الضروري لمكافحة الإرهاب)، وكان لهذا الإقرار أن تخلت الإدارة الأمريكية عن تنصيب القاعدة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، لتتحول بعدها مباشرة، الجزائر العاصمة، إلى قبلة للقادة السياسيين والعسكريين الأمريكيين والبريطانيين، حيث تم استقبال بعضهم من طرف رئيس الجمهورية قبل أن يؤكدوا صحة المقاربة السياسية والأمنية الجزائرية لقضايا الأمن والاستقرار في المناطق السابقة الذكر، ويعترفون على إثر ذلك بالدور الريادي للجزائر في منطقة الساحل الإفريقي، وهوما أكده قائد أفريكوم الجنرال وليام وورلد في زيارته للجزائر في نوفمبر المنصرم، حيث اعترف بالدور الحاسم للجزائر في إرساء الأمن والاستقرار في هذه المنطقة بالنظر إلى التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب، وبناء على صحة مقاربتها الأمنية والسياسية لمشاكل المنطقة. وكان لهذا التطور في العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين الجزائر وأمريكا، إقرار البلدين بضرورة تعزيز وتوسيع الشراكة في المجالين الأمني والاقتصادي، هي النتائج الهامة التي توصلت إليها زيارة وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، الشهر الماضي. ولا شك، أن الحصاد الدبلوماسي الجزائري سنة 2009 يبدو من خلال الدور الذي لعبته الجزائر ضمن مجموعة 77 + 1 بمناسبة قمة كوبنهاغن الأخيرة حول التغيرات المناخية، حيث قادت المجموعة الإفريقية بنجاح في اجتماعها مع الدول الصناعية الكبرى، عندما دافعت عن مقاربة ربط خفض الغازات المتسببة في الاحتباس الحراري بمساعدة الدول الفقيرة على التنمية، مؤكدة على ألا تكون عملية الخفض هذه، معرقلا لمسار التنمية المستدامة في إفريقيا والعالم الثالث.