تحتفل العائلات القبائلية أينما وجدت وككل سنة برأس السنة الامازيغية الجديدة الموافقة ل 12 يناير، من خلال إحيائها لعادات وطقوس موروثة منذ القدم، في جو بهيج تعبيرا عن فرحتهم بقدوم سنة جديدة، آملين أن تعم عليهم بالخير والصحة ويتفاءلون بها خير لهم وللمحاصيل الزراعية، فرغم مرور 2960 سنة يصر سكان منطقة القبائل على الاحتفال بهذا اليوم الذي يعد بمثابة ميلاد جديد لهم. و"يناير" كلمة تنقسم إلى شقين الأول »ينا« والذي يعني الفاتح والثاني »ير« والذي يعني الشهر، ليتشكل بذلك معنى الفاتح من الشهر وتعود جذور الاحتفال به، إلى 950 سنة قبل الميلاد حين أنشأت الحضارة الامازيغية رزنامتها، وذلك تبعا لعادات وتقاليد موروثة عن الأجداد تتزامن مع موسم الزرع، الحصد، والجني الذي تطلق عليها أسماء عديدة منها إملالن، ازقزاون، إقورانن، سمايم نلخريف، أضرف 30، أضرف 90، أحقان وغيرها من الأسماء التي بها تبنى أشهر السنة الامازيغية، فحتى اليوم لا تزال المتقدمات في السن خاصة منهن القاطنات بالقرى يعتمدن على هذه الرزنامة في العد وتحضير المواسم الزراعية المختلفة. وتجري التحضيرات لإحياء يناير على قدم وساق بمختلف القرى والمنازل، حيث تستعد النساء والرجال معا للمناسبة أياما قبل حلولها من خلال اقتناء وتوفير كل متطلبات إحياء العادات والطقوس، إذ يعطي السكان أهمية كبيرة لهذا اليوم، فحسب معتقداتهم فإن وفرة الإمكانيات وتنوع الإطباق في تلك الليلة أو قلتها له تأثير كبير على باق أيام السنة بالنسبة للعائلات، حيث يحرص الكبير والصغير على أن لا ينقص شيئا، وتستقبل العائلات القبائلية هذه المناسبة بتقديم »أسفل« الذي يعني نحر الأضاحي والتي تختلف من عائلة لأخرى حسب إمكانيات كل واحدة، حيث تنص عادات بعض قرى منطقة القبائل على ذبح ديك عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة، وديك ودجاجة معا عن كل امرأة حامل من العائلة، في حين نجد أن بعض القرى لا تشترط نوع الأضحية، والمهم حسب المعتقدات السائدة في المجتمع القبائلي هو إسالة الدماء لحماية العائلة من الأمراض وعين الحسود، كما أنها تفتح باب الرزق والسعادة، إضافة إلى أنها تقي أفرادها من المخاطر طيلة أيام السنة، حيث تحرص النساء على تربية الدواجن، الأرانب والديكة والتي يتم ذبحها ليتم تحضيرها كعشاء يناير. كما لا تقتصر التحضيرات على الأضحية التي يطلق عليها سكان منطقة القبائل اسم "أمنسي نيناير"، فحسب حيث يتم تحضير موازاة مع ذلك مأكولات تقليدية مختلفة ومتنوعة وذلك لما له من تأثير بالغ على العائلة ورزقها طوال أيام السنة الجديدة، حيث أن تنوع أطباق هذه المأكولات يوحي بكثرة الرزق والأرباح وجني محصول وفير، حيث يتصدر هذه الأطباق التقليدية إعداد طبق الكسكسي الذي لا يخلو أي بيت قبائلي منه، والذي يلعب دورا رئيسيا في مائدة يناير مرفوقا بلحم الأضحية والخضر الجافة، كما توضع إلى جانبه المأكولات التقليدية التي تكون أساسا من العجائن كالخفاف أو السفنج، المسمن، ثيغريفين لما لها من معان وتجسيد قوة التمسك بالموروث عن الأجداد. وتصاحب الاحتفال بيناير إحياء عادات مختلفة خاصة منها عادة حلق شعر المولود الذي يبلغ عمره سنة وعند حلول الفاتح من شهر يناير، حيث يتم دعوة كل الأقارب والأحباب للم شمل العائلة، وتخصص له أجمل الثياب والتي كانت في القديم حياكة، غير أنه ليس شرطا وحاليا تقتني له عائلته من محلات بيع الملابس، لتقوم المرأة الأكبر سنا وغالبا هي الجدة بوضعه داخل (جفنة) كبيرة لترمي فوقه مزيجا من الحلويات والمكسرات والسكر والبيض، ويتم فيما بعد تقديمه الأطفال وكل من حضر إحياء هذه العادة، وفي المساء يجتمع كل أفراد العائلة والمدعوين على مائدة عشاء يناير لتنال الأطباق المحضرة مع الدعاء بالصحة والخير الوفير في السنة الجديدة، متبوعا بسهرة إلى وقت متأخر من الليل لتناول الحلويات التقليدية المتنوعة، في جو حميمي وبهيج.