قدم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس بأديس أبابا مداخلة حول قضايا السلم والأمن في إفريقيا خلال اليوم الثاني من أشغال القمة ال14 للاتحاد الإفريقي. فيما يلي نصها الكامل: "السيد الرئيس السيدة والسادة رؤساء الدول والحكومات أصحاب المعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة إننا نسجل بارتياح تسوية بعض حالات النزاع. لكننا في المقابل نأسف لاستمرار اللاأمن واللااستقرار في بعض المناطق من قارتنا. لقد حصل تقدم إيجابي بكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى وبورندي والقمر وسييراليون وليبيريا. وفي كل حالة من الحالات هذه كان التقدم الملموس المسجل حافزا ومشجعا حتى وإن بدا لنا في بعض الأحيان هشا. يجب إيلاء عناية خاصة لهذه البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية لوقايتها من معاودة الوقوع في النزاعات. فمن الأهمية بمكان أن نرافقها وندعمها في تنفيذ خطط إعادة بنائها وتنميتها في مرحلة ما بعد النزاع تعزيزا للسلم المستعاد. إن روح التوافق التي تم ترجيحها في تسيير حالات التأزم في كينيا وزمبابوي قد يسرت إيجاد مخرج لهذه الحالات. والأمر سواء بالنسبة لموريتانيا حيث أتاح التزام جميع الأطراف العودة إلى النظام الدستوري. وفي غينيا بيساو وضعت الانتخابات الرئاسية في نهاية المطاف حدا للأزمة المنجرة عن أحداث 2 مارس 2009 المؤلمة التي يتم حاليا تسليط الضوء على خلفياتها. إنني أسجل بارتياح كذلك أن منطق السلم هذا امتد إلى السودان وإلى التشاد اللذين باشرا مسار تهدئة نأمل أن يكون بلا رجعة استجابة لمناشدة إفريقيا لهما تخطي الصعوبات وأوجه التفاهم بينهما. ومن بين النزاعات التي ما تزال تهز بعض المناطق من القارة هناك الحالة السائدة في الصومال حيث لم يشهد الوضع أي تحسن يذكر رغم اتفاق جيبوتي الذي رعته منظمتنا وانتخاب الرئيس الشيخ شريف شيخ أحمد وبرلمان موسع اللذين بعثا عريض الآمال في النفوس. فالبلد هذا ما يزال فريسة للعنف بأشكاله. ونأسف أن القرار الذي جاءت به اللائحة 1863 الصادرة عن مجلس الأمن بتاريخ 6 يناير 2009 والقاضي بنشر بعثة أممية لحفظ السلم سرعان ما تعثر. إن الأزمة الصومالية لا يمكن اختزالها في مجرد مسألة قرصنة بحرية ناجمة في واقع الحال عن خلو هذا البلد من سلطة وطنية. بطبيعة الحال يتعين على المجموعة الدولية إدانة الأعمال الإرهابية هذه ومحاربتها بأقصى حزم وشدة. وفي هذا السياق نعرب عن اغتباطنا لمصادقة مجلس أمن منظمة الأممالمتحدة على اللائحة 1904 التي تجرم دفع الفدية للجماعات الإرهابية. يبدو لنا من المستعجل استكمال نشر الفيالق المتبقية من البعثة الإفريقية في الصومال وإنجاز ما تبقى من الوعود بالمساهمة التي أطلقت بمناسبة ندوة بروكسل. وهو ما سيتيح تعزيز قدرات المؤسسات الصومالية ودعم الاستراتيجية الشاملة للخروج من الأزمة وإعادة هيبة الدولة الصومالية كاملة. وبودي في هذا المقام أن أشيد بجهود وتضحيات بورندي وأوغندا في سبيل تحقيق هذا الهدف. السيد الرئيس أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة إن الوضع في السودان ما يزال يستوقفنا. إنه يجدر بنا كاتحاد إفريقي تقديم يد العون إلى إخواننا السودانيين حتى يتخطوا هذه المرحلة الدقيقة من تاريخهم المعاصر وأن نثبت من خلال ذلك أن إفريقيا قادرة على ترقية حلول مسؤولة وناجعة للمشاكل التي تواجهها القارة. فضمن هذا المسعى المسؤول بالذات يندرج توجيه النداء الذي لم يلق للأسف آذانا صاغية إلى مجلس أمن الأممالمتحدة من أجل تعليق الأمر بالتوقيف الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس البشير. وضمن هذا المسعى كذلك يندرج التزامنا بمحاربة اللاعقاب المكرس في العقد التأسيسي للاتحاد الإفريقي. من هذا المنظور يشكل تقرير المجموعة الرفيعة المستوى حول دارفور التابعة للاتحاد الإفريقي الذي دعمناه بأبوجا والتوصيات التي تضمنها في نظرنا إطارا متناسقا وموثوقا لتسوية شاملة لهذه الأزمة بما في ذلك مسألة انتهاك حقوق الإنسان الحساسة. هذا وإن تطور الوضع في جنوب السودان في هذه الفترة التي تصادف المراحل الأخيرة من تنفيذ اتفاق السلم الشامل لسنة 2005 يقتضي المتابعة بكل ما يلزم من عناية. وفي هذا الإطار فإنه ينبغي تقديم كافة المساعدات الضرورية للحكومة السودانية من أجل إنجاح الانتخابات العامة المقررة في بحر أشهر قليلة والاستفتاء المقرر في يناير المقبل. وإن إسهامنا فرادى وجماعات قمين بأن يتيح تعزيز الثقة بين كافة أبناء السودان ومساعدتهم على تشييد سودان جديد وموحد. وباقتراب هذا الاستحقاق الذي سيقرر مصير جنوب السودان يتعين على الأطراف السودانية والمجموعة الدولية وبالخصوص الاتحاد الإفريقي ألا يدخروا جهدا في سبيل ترقية خيار وحدة السودان مثلما هو مكرس في اتفاق السلم الشامل. السيد الرئيس أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة رغم الخطوات التي قطعتها قارتنا منذ إعلان الجزائر في يوليو 1999 الذي يدين التغييرات غير الدستورية للحكومات فإن الظاهرة هذه عادت إلى واجهة الأحداث خلال السنتين الماضيتين. ولنا في الأزمة المثيرة للقلق في غينيا دلالة على مثل هذا التطور الخطير على قارتنا والمضر بها. إن موقفنا من مثل هذه الانحرافات لا بد أن يظل حازما لا تنازل فيه لا سيما وأن نصوص الاتحاد الإفريقي تسوغ التكفل الفعال بتسيير الأزمات المنبثقة عن اللجوء إلى الممارسات المنافية للنظام الدستوري. إن الجهود التي بذلها الرئيس بليز كومباوري Blaise Compaoré من أجل تقريب وجهات نظر الفاعلين والتعجيل بالخروج من الأزمة بما يحفظ المصالح العليا لغينيا لتستحق منا كل التقدير والثناء. ونحن مغتبطون للرزنامة التي تمت المصادقة عليها مؤخرا والتي نأمل أن تسمح لغينيا بتجديد العهد مع النظام الدستوري من خلال تنظيم انتخابات رئاسية حرة وذات مصداقية. ولن أختتم كلمتي دون التعبير مرة أخرى عن ارتياحي للتعهدات التي أخذناها بطرابلس بمناسبة الدورة الخاصة بالنزاعات في إفريقيا وأجدد عزمي على المضي قدما بالإسهام في المجهود الجماعي المتوخى تسوية هذه الأوضاع. ونحن بإعلاننا سنة 2010 "سنة للسلم" اتخذنا لأنفسنا حافزا إضافيا وباعثا على تحقيق تقدم كبير في هذا المجال"."