يعتبر بعض الخبراء التكوين في قطاع البنوك حجر الأساس لنجاح الإصلاحات التي تمت مباشرتها منذ سنوات بالجزائر لتحسين أداء المؤسسات المصرفية والمالية عموما في وقت أصبحت فيه السوق الجزائرية تجلب اهتمام المستثمرين الأجانب في هذا المجال بالذات· لكن يبدو أن رفع هذا التحدي يبقى بعيدا المنال بالنظر إلى جملة من المعطيات أهمها عدم انشغال مسيري البنوك بعامل التكوين· وطرح مشكل الموارد البشرية الذي تعاني منه الجزائر بفعل عوامل متعددة منها هجرة الأدمغة وحاجة الجزائريين حسب بعض الأرقام إلى تكوين 300 ألف من الكفاءات عالية المستوى في المجال البنكي على المدى المتوسط بالنظر إلى العجز الكبير في هذا المجال والذي يتطلب سده عشر سنوات كاملة· لهذا فإن مهنيي البنوك يتوقعون حدوث ضغط على الموارد البشرية في المدى المتوسط بسبب فتح فروع جديدة لبنوك أجنبية يرتقب أن تستقر ببلادنا في السنوات المقبلة والتي أصبحت هي بذاتها تشكل منبع قلق للبنوك العمومية الجزائرية بفعل استقطابها المتزايد للكفاءات الجزائرية مقابل حوافز مغرية· ولذلك يشدد بعض الخبراء في المجال على أهمية إطلاق برامج تكوينية في هذا القطاع لتدريب الموظفين في العمل البنكي من جهة وكذا في اللغة الإنجليزية التي أصبحت لغة المال العالمية· ومثل هذا التدريب لا يهدف فقط الى تحسين الأداء اليومي للبنوك ولكن يسمح خصوصا بتحسين قدرة الإطارات البنكية على تقييم المخاطر· فهذه الأخيرة وعكس ما يعتقده البعض لا تتعلق فقط بعدم قدرة الدائنين على السداد ولكن تتعدى ذلك إلى مخاطر من نوع آخر مثل المخاطر القانونية والمخاطر الائتمانية والمخاطر التشريعية ومخاطر السوق، اضافة الى المخاطر ذات العلاقة بتذبذب أسعار العملات وبالكوارث وتقلب أسعار المواد الأولية· والتحكم في التقييم يمّكن البنوك بدون أدنى شك من لعب دور اكبر في الساحة الاقتصادية وهو المطلوب منها حاليا في الجزائر حيث اصبح ينظر إليها كالحلقة المفقودة في معادلة التنمية الاقتصادية بالرغم من الوضعية المالية الجيدة التي تعرفها البلاد باعتبار أن القطاع العام مازال يشكل 80 بالمائة من خارطة القطاع البنكي· ولعل التكوين يُنظر إليه كتحد يجب رفعه من أجل أن تصبح البنوك اكثر قدرة على المبادرة وعلى تمويل المشاريع التي قد تبدو للوهلة الأولى غير مربحة لاسيما إذا تعلق الأمر بخلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة جديدة· فقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالذات وبشهادة مهنيي البنوك ذاتهم يحتاج الى مساهمة أكبر من طرف البنوك لتمويل نشاطاتها· لكن الملاحظ في الواقع أن ذلك يتم حاليا من طرف البنوك العمومية بدرجة أكبر فيما مازالت البنوك الخاصة الأجنبية في مجملها تحبذ اللعب في ميدان القروض الإستهلاكية التي تطورت في السنوات الأخيرة بفضل الاتجاه المتصاعد نحو اقتناء السيارات بالتقسيط· ومثل هذه المعطيات جعلت منسق جمعية البنوك والمؤسسات المالية عبد الرحمان بن خالفة، يشير الى ضرورة معالجة "اشكالية الحجم" بالجزائر من خلال تجاوز واقع "البنوك الصغيرة والبنوك الكبيرة" التي أفرزتها الخارطة الحالية والتي تمثل بها البنوك العربية ثلث السوق، لكن دون أن تشكل وزنا حقيقيا في تمويل الاقتصاد الوطني· وإضافة إلى كون التغطية البنكية على المستوى الوطني مازالت بعيدة عن المعايير المتعارف عليها دوليا حيث توجد وكالة بنكية لكل 29 ألف نسمة حاليا يغطيها 1300 موقع مصرفي تابع ل30 مؤسسة مالية، فإن النقائص الأخرى التي يمكن الاشارة اليها تتمثل في غياب التنوع في المنتجات المقدمة كالايجار المالي "الليزينغ" والوساطة المالية على سبيل المثال·الأكيد أن الحديث عن المنظومة المصرفية بالجزائر يبقى مليئا بالإشكالات وهو ما تجلى مؤخرا في عقد لقاء بين وزير المالية ومسؤولي مختلف المصارف والمؤسسات المالية العاملة بالسوق الجزائرية الذين يدافعون عن أنفسهم أمام الانتقادات التي توجه إليهم يوميا بالقول نحن كذلك لدينا مشاكلنا·