يكثر الحديث هذه الأيام عن الإجراءات الجديدة لقانون المرور الذي انطلقت بشأنه بداية شهر فيفري الجاري حملة التوعوية لفائدة السائقين والراجلين، هذه الفئة الأخيرة التي ترى أنها لم يعد ينظر إليها على أساس أنها الضحية بل أضحت تصنف في نفس مرتبة الجاني، لما لها من مسؤولية في وقوع حوادث المرور، يكون فيها الراجلون سببا وضحية في نفس الوقت، مما اضطر المشرع الجزائري إلى إدراج عقوبات ضد الراجلين تعد الأولى من نوعها لتأخذ جانبا من العقوبات المنصوص عليها في القانون الجديد حيزا واسعا من التحسيس الذي يبدو أنه يتطلب وقتا طويلا للاقتناع به، وفي انتظار ان يقتنع الراجلون بإلزامية القانون الجديد تطالب هذه الفئة باسترجاع الأرصفة المحتلة من طرف التجار وأصحاب السيارات. يعاقب قانون المرور الجديد الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من الفاتح فيفري الجاري الراجلين في حالة عدم استعمال الممرات المخصصة لهم بغرامة جزافية تقدر ب2000 دينار، حيث صنف مشروع القانون مخالفة الراجلين للقواعد التي تنظم سيرها ضمن ''المخالفات من الدرجة الأولى قسم الأول'' والمحددة بأربع مخالفات منها المتعلقة بالإنارة والإشارة وكبح الدراجات والتي يعاقب عليها بغرامة من 2000 إلى 2500 دينار أما المخالفات من الدرجة الثانية والبالغ عددها ثماني مخالفات فتخص الأحكام المتعلقة بسرعة المركبات بدون محرك بشتى أنواعها وكذا مخالفة الأحكام المتعلقة باستعمال المنبه الصوتي والسير على الخط المتواصل وغيرها تكلف صاحبها غرامة جزافية من 2000 إلى 3000 دينار وقد صنفت المخالفات من الدرجة الثالثة والبالغ عددها 22 مخالفة تخص الحد من سرعة المركبات ذات المحرك بكافة أنواعها ومخالفات منع المرور وحزام الآمان والارتداء الإجباري للخوذة بالنسبة لسائقي الدراجات النارية والدراجات المتحركة والاستعمال اليدوي للهاتف النقال وغيرها ويعاقب عليها بدفع غرامة جزافية من 2000 إلى 4 آلاف دينار جزائري، وتتعلق المخالفات من الدرجة الرابعة والبالغ عددها 22 مخالفة الأحكام التي تخص اتجاه المرور المفروض والتقاطع والتجاوز والمناورات الممنوعة في الطرق السيارة وغيرها من المخالفات التي تكلف مرتكبها دفع غرامة جزافية تتراوح ما بين 4 آلاف و6 آلاف دينار ويخص القسم الثاني من مشروع القانون الجنح والعقوبات بالسجن أما القسم الثالث فقد سلط الضوء على جانب الاحتفاظ برخصة السياقة وتعليقها وإلغائها.
القانون في واد والراجلون في واد آخر لقد تأرجحت آراء المواطنين بخصوص قانون المرور الجديد ما بين مستبشر خيرا وبين متخوف من العقوبات الصارمة التي تضمّنها، والتي لن يسلم منها هذه المرة المشاة من المارة، غير أن التخوف الأكبر لدى المواطن يكمن في جهله للإجراءات الردعية والتصنيف الجديد للمخالفات التي جاء بها القانون. وتشير مصالح الأمن إلى عدم اطلاع غالبية الراجلين على مضمون القانون الجديد الذي يحمل في طياته بنودا تخصهم وتعاقبهم في حال الإخلال بها، حيث تؤكد المعاينة الميدانية وحالات التوقيف التي يقوم بها أفراد الشرطة إلى جهل نسبة هامة من المواطنين خاصة الشباب للعقوبات المتخذة ضدهم في حال عدم احترامهم لقوانين السير وهي في شكل غرامات تفرض لأول مرة على مخالفة الراجلين للقواعد التي تنظم سيرهم لا سيما القواعد المتعلقة بعدم استعمال الممرات المحمية والعلوية. ويجد أعوان الأمن صعوبة في إقناع المخالفين من الراجلين بدفع غرامات جزافية تتراوح ما بين 2000دج و2500دج وهي نفس غرامات المخالفات من الدرجة الأولى الخاصة بالسائقين من حيث القيمة، رغم ان هذا القانون لا يزال في مرحلته التحسيسية بالنسبة للراجلين والذي اظهر في بدايته انه من الصعب إقناع بعض الفئات والشرائح، لا سيما كبار السن بضرورة دفع أية غرامة مادية على الرغم من اقتناعهم بالخطأ المرتكب في حق قانون السير، أما الشباب فإن معظمهم يرفض الدفع متحججين بأشياء عديدة على الرغم من أنهم أكثر المتسببين في حوادث المرور وهم الذين يسيرون في نفس الأروقة والممرات المخصصة للسيارات وكأنهم يحملون بطاقات رمادية عوض بطاقات الهوية.
العقوبات صارمة وحقوق الراجلين مهضومة لم يعد الرصيف وحده ملكا للراجلين، حيث تخلى عنه هؤلاء ''كرها'' بعد أن استولى عليه التجار الشرعيون وغير الشرعيين لعرض بضاعتهم، وحوله آخرون إلى ورشات للسيارات، فيما قام أصحاب المقاهي ببسط الطاولات والكراسي فيه جاعلين منه ملكية خاصة لهم، ويحدث هذا كله أمام أعين المسؤولين الذين يخول لهم القانون التدخل ومنع مثل هذه الممارسات التي وضعت حياة الراجلين في خطر بل وتعرضهم مستقبلا إلى عقوبات هم غالبا في غنى عنها ولا ذنب لهم فيها. ودفعت هذه الظاهرة الخطيرة بالراجلين إلى التخلي عن حقهم في السير على الأرصفة لصالح السيارات والمحلات التجارية التي تتنافس فيما بينها من أجل الاستحواذ على هذا المكان المخصص في الأصل للمارة، حيث برزت هذه الظاهرة منذ عدة سنوات وأخذت تزداد مع مرور الوقت وتأخذ أبعادا ''استيطانية'' في غياب الجهات المعنية بتطبيق القانون التي ترعى حقوق الراجلين من جهة وحماية أملاك الدولة من جهة أخرى، فقد انتشرت طاولات البيع للشباب البطال الذي يمتهن بيع السجائر والتبغ وسلعا أخرى متنوعة ووجد فيها أيضا أصحاب السيارات مكانا مناسبا لركن سياراتهم حتى لا يدفعوا ثمن موقف السيارات، فيما راح أصحاب المحلات التجارية في استغلال هذا الفضاء الخاص بالمارة في عرض سلعهم التي يقومون بإخراجها من المحلات جاعلين منه ملكية خاصة لا يمكن العبور عليها. ولا يخفى على أحد الانتشار الكبير لهذه الظاهرة التي شوهت وجه الأحياء ووضعت حياة الراجلين في خطر بالرغم من وجود قوانين واضحة في هذا الإطار والتي تمنع استغلال هذه الأماكن ذات المنفعة العامة، والتي دفعت بالراجلين إلى السير في الطريق المخصص للسيارات الأمر الذي خلق نوعا من الفوضى وأحدث شللا في حركة المرور في أكبر الفضاءات على غرار ساحة الشهداء وشوارع بلكور التي لا تكاد حركة المرور تنقطع بها بسبب احتلال التجار للأرصفة، مما دفع بالراجلين إلى السير بالطرق المخصصة للسيارات الشيء الذي يؤدي في العديد من المرات إلى نشوب مشادات بين السائقين والراجلين وزاد من حدة هذه الظاهرة توقيف السيارات على الجانبين.
أرصفة للتجار، طرق للراجلين.. وسيارات لا ترحم ومما يجدر إليه القول أن الانتشار الكبير لهذه الظاهرة أدى إلى بروز العديد من المظاهر السلبية أهمها الفوضى والازدحام ومنها حوادث المرور، التي تودي بحياة الراجلين الذين سلب منهم حقهم، حيث روى أحد المواطنين بأسف كبير واقعة حدثت له مع الأرصفة عندما كاد أن يتعرض لحادث مرور عندما اضطر للنزول من الرصيف الذي احتلته السيارات في أحد الأحياء بالحراش نحو مسلك السيارات ولولا ستر الله لكان الآن في عداد الموتى أو المعاقين، وهذه عينة من مناظر مؤسفة بعيدة عن روح التحضر تصادف المواطنين يوميا وأمام غياب الحلول أصبحت هذه التصرفات جزءا من سلوكياتهم، فالتجار يعتبرون الرصيف جزءا من محلاتهم يعرضون فيه سلعهم، كذلك الحال بالنسبة للباعة المتجولين، فيما جعلها أصحاب المقاهي فضاء للراحة والتسامر ببسط طاولاتهم التي تجلب أكبر قدر من الزبائن، يحدث ذلك أمام مرأى المسؤولين الذين لا يكلفون أنفسهم مشقة تصحيح الأوضاع وإعطاء الراجلين حقهم المسلوب .. فهل من عقوبات في حق مغتصبي الأرصفة؟ ثم هل من العدل معاقبة الراجلين بعدم استغلالهم للأرصفة والممرات التي احتلت عنوة أمام مرأى ومسمع الجميع؟