لحقت دولة بولونيا أمس فاجعة غير مسبوقة بفقدان كل قيادتها السياسية والعسكرية في كارثة جوية أودت بحياة 88 من مسؤوليها من بينهم رئيس البلاد ليش كاسيزانسكي وقائد هيئة أركان الجيوش ومسؤولون سياسيون وضباط سامون في الدولة والجيش البولوني. ووجدت بولونيا نفسها بعد فقدان أهم رموز السلطة السياسية والعسكرية في البلاد في أزمة سياسية حادة وشبه فراغ سياسي جعل الحكومة تسارع إلى عقد اجتماع طارئ أمس لتحديد خطة التحرك القادمة على ضوء هذه الكارثة في وقت دعا فيه الوزير الأول دونالد توسك شعب بلاده إلى التزام الهدوء طيلة أيام الحداد الوطني الثمانية واكتفى بالقول انه سينتقل إلى منطقة سمولانسك مكان وقوع الكارثة. وقتل الرئيس البولوني وزوجته و86 شخصية سياسية وعسكرية في تحطم طائرة توبوليف صباح أمس عندما كانوا متوجهين إلى مدينة كاتين للترحم على أرواح آلاف البولونيين الذين قتلتهم الشرطة السرية للديكتاتور السوفييتي الأسبق جوزيف ستالين سنة 1940 إلا أن رحلتهم توقفت قبل نزول طائرتهم على ارض مطار سمولانسك في غرب روسيا حيث اعدم الرعايا البولونيون قبل سبعين سنة. وكان من بين ضحايا الكارثة بالإضافة إلى رئيس البلاد وزوجته رئيس البنك المركزي البولوني سلافومير سكرزيباك وقائد الجيوش البولندية فرانسيزك غاغور واهم قادة الجيش بينهم قائد القوات العملياتية والجنرال تادوتز بيك قائد القوات البرية واندري بلازيك قائد القوات الجوية وفوزيشتش بوتاسنكي مدير القوات الخاصة ونائب الأميرال اندري كارويتا القائد العام للقوات البحرية البولونية. وأكدت مصادر من وزارة الطوارئ الروسية بأن الطائرة الرئاسية البولونية تكون قد ارتطمت بأشجار عالية عندما كانت تهم بالنزول على أرضية المطار المذكور ولمحت إلى احتمال تسبب خطأ ارتكبه طاقم الطائرة في وقوع هذه الكارثة قبل بدء عملية الهبوط في المدرج المخصص وهي الفرضية التي أكدها وزير الخارجية البولوني. وحسب مصادر إعلامية روسية فإن السلطات الروسية اقترحت على طاقم الطائرة الهبوط في مطار مدينة منسك أو العاصمة موسكو بسبب الضباب الذي خيم على مدينة سمولانسك ولكن قائد الطائرة رفض المقترح وفضل الهبوط في مطار المدينة الأخيرة. وأكدت أن الطائرة سقطت خلال المحاولة الرابعة لهبوطها وهي أيضا المعلومات التي أكدتها مصادر في مصالح الطيران في جمهورية بيلوروسيا المجاورة. وقالت مصادر الملاحة الجوية في بيلوروسيا أن ''زملاء روس طلبوا منا إبلاغ معلومات إلى طاقم الطائرة البولونية بسوء الأحوال الجوية فوق مطار مدينة سمولانسك وهو ما فعلناه ولكن طاقم الطائرة فضل مواصلة رحلته إلى سمولانسك ولكنها انتهت قبل بلوغها. وقالت ارينا اندريانوفا الناطقة باسم وزارة الطوارئ الروسية أن كل ركاب الطائرة التسعة والتسعين هلكوا في هذا الحادث 88 منهم مسوؤلين في هرم الدولة البولونية الذين قدموا من اجل الترحم على أرواح مذبحة اقترفها الجيش السوفياتي في عهد ستالين ضمت ضباطا سامين في الجيش البولوني وفنانين ورسامين. ومباشرة بعد إعلان مقتل الرئيس البولوني فرضت السلطات الروسية إجراءات أمنية مشددة من حول مكان سقوط الطائرة التي اشتعلت فيها النيران بمجرد ارتطامها بالأرضية وانشطارها إلى جزئين. وتعهد الرئيس الروسي ديمتري مديفيديف بالقيام بتحقيق دقيق لمعرفة كل الملابسات التي أحاطت بظروف وقوع هذه الحادثة. وبسبب هذه الكارثة غير المسبوقة فقد وجدت بولونيا نفسها في فراغ دستوري ومؤسساتي وهو ما جعل رئيس الغرفة السفلى للبرلمان البولوني ''دييت'' بورنيسلاف كوروموفسكي يتولى رئاسة البلاد بالنيابة لمدة شهرين كاملين تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية جديدة لملء الفراغ الذي تركه الرحيل المفاجئ للرئيس ليش كاسزينسكي طبقا لنص الدستور البولوني. يذكر أن رحلة الموت هذه جاءت على خلفية أحداث مجزرة غابات كاتين في غرب روسيا التي يعود تاريخها إلى سنة 1940 بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وتقسيم بولونيا بين الجيش الأحمر والقوات النازية حيث أقدمت الشرطة السرية السوفياتية آنذاك بإعدام 22 ألف بولوني من سياسيين وفنانين وضباط سامين في الجيش البولوني وكل ما يرمز إلى النخبة البولونية في اكبر عملية اغتيال جماعية شهدتها الحرب الكونية الثانية. وبقيت هذه المجزرة محل تعتيم إعلامي وتاريخي كبير بعد أن حملت الدعاية الشيوعية السوفياتية مسؤولية اقترافها ضد الجيوش النازية الزاحفة على بولونيا وبقي ذلك كحقيقة قائمة إلى غاية سنة 1990 عندما اعترف ميخائيل غورباتشوف آخر الرؤساء السوفييت آنذاك بمسؤولية بلاده على تلك المذبحة.