تعود الثقافة الإيرانية بجذورها في عمق التاريخ، وقد تركت بصماتها على الحضارة البشرية بشكل كبير، مما جعلها إحدى المكوّنات الأساسية لها على مر الأزمنة، إذ تتميّز بأبوابها المتعدّدة والمتنوّعة بالرهافة في عرض القضايا الإنسانية عبر قنواتها المعروفة، كالشعر والنثر والخطاب الأدبي بأبوابه المختلفة، وهاهي تحلّ بأرض الصمود والمجد، لؤلؤة البحر الأبيض المتوسّط وحصن العروبة، في أيام ثقافية إيرانية تدوم من اليوم وإلى غاية الثالث والعشرين من فبراير الجاري· التراث الإيراني الغني الذي يعكس نفحة من أجواء التراث الفارسي بكل ما فيه من سحر وغموض، سيعرض بقصر الثقافة "مفدي زكريا"، الذي سيزدان بالمنتجات الإيرانية التقليدية والأقمشة الملوّنة والأعمال الصوفية المشغولة يدوياً والزجاج والفخّار الملونين، وذلك بهدف إطلاع الجزائريين على جزء من التراث والحضارة الإيرانية وعادات وتقاليد الشعب الإيراني· ومن بين ما سيعرض، 20 قطعة أثرية من آثارات القرآن الكريم مع 04 مجلّدات للقرآن، إلى جانب 24 قطعة أثرية، مع لوحات مائية للفنان قورشيان و41 لوحة أثرية للفنان علامة زاده، إلى جانب 23 قطعة من الصناعات التقليدية للفنان ملك زاده، وكذا 16 قطعة أثرية منقوشة على الخشب من الآيات القرآنية للفنان مرتضاي، زيادة على 23 لوحة من المنمنمات القديمة والجديدة المرسومة من القصص التاريخية الإيرانية القديمة للفنان آزرياني· الأيام الثقافية الإيرانيةبالجزائر ستشكّلها أيضا 19 لوحة مزيّنة بالخطوط والمنمنمات المذهّبة للفنانة زينتي، إلى جانب 15 لوحة من الآثارات العرفانية و41 لوحة خاصة بآثار الخطّ للفنان العارف الجيلاني، علاوة على عدد من المنشورات والملصقات والأقراص المضغوطة حول التاريخ والسياحة في إيران· ومن بين الفعاليات والأنشطة التي يشهدها هذا الأسبوع، عروض غنائية من التراث الإيراني مع الفرقة الإيرانية للموسيقى التقليدية، وتنظيم العديد من الورشات تتمحور حول جملة من المواضيع، تشمل صناعة النسيج والفخار ومختلف أنواع الفنون الذي يشتهر بها هذا البلد، إلى جانب معارض متعددة لمجموعة متميزة من الأعمال اليدوية· وبإمكان زوّار قصر الثقافة "مفدي زكريا"، مشاهدة المصنوعات النسيجية التي تشتهر بها بلاد فارس ويعود تاريخها إلى زمن بعيد، خاصة القادمة من مدينة شيراز الإيرانية والتي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام وتشتهر بصناعة السجاد والأعمال اليدوية المعدنية، كما كانت تعرف هذه المدينة خلال القرون الوسطى بحبها للشعر واهتمامها به· الفرقة الإيرانية للموسيقى التقليدية "رودكى"، ستكون سفيرة الإيرانيين إلى الجزائر، إذ ستقدّم التشكيلة التي يقودها عبد الحسين مختاباد، وتضمّ مهدي وحدي على الغيتار، محسن حسني على السنتور، مسلم علي بور على الكمنجة، يعقوب نوروزي على العود، وكذا إحسان برركهمر على الدربوكة تنبك وجمال محمدي على الناي، نفحات من الموسيقى الإيرانية التي تعدّ موسيقى فريدة ًمن نوعها ولها جمهورُها الكبير الذي يعتبرها مرآة ًتعكس مشاعرَه وأحاسيسه، ومن أهمّ الآلات الموسيقية التقليدية التي حافظت على أصالتها، القيثار والعود· وتترجم الموسيقى الإيرانية التقليدية الثقافة الفارسية العريقة، وتشعر عازفيها ومتلقيها بأنّها تعبير عما بداخلهم مهما كان عميقاً، فهي بآلاتها الفريدة تُعزف عادة بفرق صغيرة العدد· وتحتفظ الموسيقى الفارسية التقليدية بشعبية كبيرة في إيران، فهي موسيقى لها تاريخ عريق يعود إلى آلاف السنين، وهي ترتبط بشكل كبير بالأدب والشعر الإيراني المشهورين عالمياً· لقد استطاعت الثقافة الإيرانية أن ترسخ مواقعها وأن توسع دائرة معجبيها عبر التاريخ، قديمه ووسطه وحديثه، وكان للثقافة في تجلياتها الإبداعية في مجال العلوم والأدب، شعره ونثره، وفي مجال العمارة والنحت، التصوير والصناعات الحرفية، امتيازات اختصت بها، وعبّرت عن رؤية متكاملة إنسانية الطابع، وتصطبغ الثقافة الإيرانية في أغلب عصورها بمدخل فلسفي إيجابي سعى دوماً إلى تكريس مفاهيم الخير والعدالة والمحبة· ويتميّز التصوير الإسلامي الذي عرف باسم "المنمنمات"، بخصائص مميزة تشمل الجوانب التقنية والأسلوبية والوظيفية التي يطمح إليها هذا التصوير، وينطلق هذا كلّه من فلسفة تتناول الإنسان والكون والدين في إطار عرفاني، وتربط فلسفة التصوير في الإسلام بين العالم المادي وبين العالم الروحي ربطاً محكماً ينزع إلى الكمال ويجعل من أعمال الفن نمطاً فريداً في مزاياه، تقرّبه من أن يكون نوعاً من ممارسة طقس ديني، وقد ارتبط هذا النوع من التصوير بتطور المخطوطات التي تناولت شتى المعارف العلمية منها والأدبية، ولقد عرف الرسم اهتماماً واسعاً في إيران منذ القرن السابع الميلادي، حيث تفاعل الرسم الإيراني مع الرسم الصيني، وتلتقي في تصوير المنمنمات الإسلامية، تأثيرات عدة، عربية وإيرانية، صينية، مغولية، سلجوقية، هندية، تركية وعثمانية· كما يتفنّن الإيرانيون في الصناعات اليدوية التي يجمّلونها بالنقوشات الدقيقة على كل من النحاس، البرونز، الفضيات، الأخشاب، الفخار، الزخرفة بالكاشي وصناعة المينا، وتعدّ الصناعات اليدوية في إيران ذات تاريخ طويل جداً ولا تزال آثارها باقية حتى يومنا هذا، وتحظى بعشق وإقبال كبير من السياح الأجانب، خصوصاً الأوروبيين منهم· كما تعد صناعة السجاد اليدوي الإيراني، أهم الصناعات اليدوية الإيرانية على الإطلاق وتحظى بسمعة لا مثيل لها في العالم، حيث يتميّز السجّاد الإيراني بمزايا خاصة لرسومه وحياكته الخيالية، إضافة إلى ثبات ألوانه والدقة الكبيرة في صناعته رغم أنه يدوي، ويعمل في صناعة السجاد الكثير من الرجال والنساء الإيرانيين، ولا يكاد يخلو أي منزل في إيران من قطعة من السجاد الفاخر الذي تعتبره العائلة الإيرانية كالذهب وتتوارثه فيما بينها·وللإشارة، فإنّ الفرقة الإيرانية للموسيقى التقليدية، ستحيي إلى جانب حفل الافتتاح الرسمي، حفلين موسيقيين في إطار الأسبوع الثقافي هذا، حيث ستمتع الجمهور القسنطيني سهرة التاسع عشر من فبراير الجاري، وجمهور قاعة "ابن زيدون" في الواحد والعشرين من نفس الشهر، وذلك في انتظار تنظيم الأسبوع الثقافي الجزائري في العاصمة الإيرانيةطهران في غضون هذا العام·