أحيت الجزائر في 27 اكتوبر الفارط الذكرى السادسة والثمانين لوفاة الشاعر الشعبي الكبير عبد الله بن كريو الذي تجاوزت شهرته حدود الوطن، ليصبح معلما ثقافيا وتاريخيا سجلت الأيام على لسانه احداثا لايمكن تجاوزها· سجل الشاعر أن الناس الزينين لو ماتوا حيين، حيين بخصلات تتعاد وراهم ومن ثم لم يمت وبقي جزءا أساسيا في الثقافة الوطنية الجزائرية· عرف الشاعر بن كريو وإسمه الحقيقي عبد الله التحني الأغواطي بأنه شاعر الحب والمرأة وشاعر اللهو والمجون، وأنه ايضا شاعر حكيم حتى عند حديثه عن الحب والمرأة، والكثير من القصائد التي نظمها تظهر بصورة جلية ورمزية تعلقه بالفيلسوف اليوناني الكبير أفلاطون وبالتالي فإن بن كريو راح يتحدث بإيحاء عن تلك الحكمة التي أنشدها افلاطون وعن الحكم المثالي الذي ظل افلاطون يسعى ليطبقه الحكام على المحكومين ولذلك قال بن كريو: من عهد افلاطون كانت محفية·· دبرها من شاو عُمرو حتى شاب ويجمع معظم المؤرخين والدارسين للحركة الثقافية خلال الحقبة الاستعمارية على ان معظم الشعراء الشعبيين كانت لديهم ثقافة ضحلة وغير متعلمين وأن الرواة كانوا يحفظون ويكتبون لهم اشعارهم خاصة بعد وفاتهم، غير أن الشاعر ابن كريو يختلف عنهم في التصنيف فقد كان متعلما حافظا للقرآن منذ صغره، إضافة الى تمكنه من علوم اللغة العربية، وكان مولعا بالثقافة بشكل عام· تلقى الشاعر علوم الفلك على يد القاضي ابن الدين بن سيدي الحاج عيسى ودروسا أخرى على يد العالم الاغواطي محمد العربي، كما درس بن كريو اللغة الفرنسية وأتقنها ليشتغل قاضيا بعد نيله شهادة الكفاءة للوظيفة وهي المهنة التي مارسها والده لمدة 35 سنة بمدينة الاغواط· ومن القصئد التي تبرز تمكن الشاعر من علوم الفلك مثلا قوله: لاح بعينو شاف نجمة ضواية كي برزت بنوارها من وسط سحاب ماهي في حيز النجوم الضواية ولا يعرف تقويمها شاطر حساب كل منجم دهشاتو ذا الرؤية بحثوا في تعديلها واحد ما صاب كما تأثر بن كريو بالشعراء العرب وكان على رأسهم الشاعر عمر بن ربيعة· ولد الشاعر بمدينة الأغواط سنة 1869 تحت وطأة الاحتلال ما جعله يكبر وهو يمقت هذا الاحتلال، وكانت الأغواط لاتزال تضمد جراحها بعدما ابيد نصف سكانها واعتقل الباقي منهم في السجون عقب احتلال المدينة سنة 1851· عايش الشاعر الثورة الشعبية بقيادة البطل الناصر بن شهرة والتي دامت ازيد من ربع قرن (1852 - 1875) لذلك سجل بن كريو هذا التاريخ وكان يصف مدينته صاحبة السبعة أبواب، ويصف وحشية المحتل: من يطعن هذا الوحوش المؤذية يغدي لحمو بين الأظفار والأنياب الشاعر بن كريو رحمه الله يبقى شاعر الحب بلا منازع لبلاغته إحساسه النبيل وهو الأمر الذي جعل شعره ينتشر عبر كامل الوطن ولا يزال الناس يحفظونه الى يومنا، كما أدى شعره عمالقة الغناء في الجزائر وعلى رأسهم الراحل الحاج العنقى وخليفي أحمد· ويظل الشاعر بن كريو وجها مشرقا من التاريخ الثقافي للجزائر والواجب تقديمه للأجيال الصاعدة والتنقيب في تراثه الذي لا ينضب· *