وجد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نفسه في قلب أكبر زوبعة سياسية منذ وصوله إلى سدة الحكم في قصر الإليزيه في ماي سنة 2007 ضمن قضية صرف أموال مشبوهة أصبحت تعرف باسم قضية ''وورث-بتانكور''.وبدأت الأزمة وكأنها أزمة سياسية يمكن لأية سلطة أن تمر بها بعد أن تم الكشف عن حقائق جديدة فيها أصبحت وكأنها حلقات مسلسل مازالت عقدته لم تكشف عن كل خيوطها. ولكن ''الأزمة-الفضيحة'' توسعت بمثل بقعة الزيت وبلغت آثارها إلى شخص الرئيس نفسه بعد أن اتهم بالاستفادة من سيولة نقدية بمبلغ 150 الف أورو بطريقة غير شرعية لخوض حملته الانتخابية. وحتى وان سارعت مختلف الدوائر الوزارية الفرنسية وأقرب المقربين من الرئيس ساركوزي إلى تكذيب هذه التسريبات الصحفية إلا أن ذلك لم يمنع من ارتفاع حدة الجدل في فرنسا حول حقيقة هذه الفضيحة التي جاءت في وقت أعلن فيه الرئيس الفرنسي عن رغبة ملحة لترشيد النفقات العمومية لمواجهة أية هزة مالية غير محمودة العواقب كما هو الحال في اليونان واسبانيا. وضاق الحال من حول هذا الأخير إلى درجة دفعت الوزير الأول الفرنسي الأسبق جون بيار رفاران إلى مطالبته ب''الخروج عن صمته في اقرب وقت ممكن ''لمنع كرة الثلج من مزيد من التدحرج ومنع تداعيات لاحقة أو لان في القضية إسرارا وخفايا يريد المناوئون له الكشف عنها وجعلها مادة ساخنة بين أيدي مختلف الصحف الفرنسية. ويأتي مثل هذا الإلحاح رغم أن الرئيس الفرنسي فضل التلميح لهذه القضية فقط اول أمس وأكد أنها مجرد تلفيقات هدفها تدنيس الحقيقة'' ولكنه تصريح بقي خافت الأثر والتأثير في صيرورة حملة لا يبدو أن نهايتها قريبة. ويبدو أن الحكومة الفرنسية كانت تراهن على العامل الزمني لكتم هذه القضية ومنع تحولها إلى فضيحة ولكن حدسها خاب هذه المرة بعد أن تحولت إلى حلقات مسلسل سياسي برائحة رشاوى قد تعصف بأسماء كبيرة في هرم السلطة الفرنسية. وزادت متاعب الرئيس الفرنسي بعد تصريحات المحاسبة السابقة لسيدة الأعمال ليليان بتانكور إحدى أغنى سيدات فرنسا وصاحبة شركة ''لوريال'' لمواد التجميل بعد أن صبت الزيت على نار متأججة وأكدت أمس أن إيريك وورث وزير العمل الحالي تلقى يوم كان رئيس خزينة الاتحاد من اجل الأغلبية الجمهورية الحركة التي يقودها الرئيس ساركوزي مبلغ 150 ألف أورو لتمويل الحملة الانتخابية لهذا الأخير. وهي الحقائق التي كشفت عنها لمحققي الشرطة الذين تكفلوا بهذه القضية ونفاها وورث وقال ''أن كل شيء واضح ونظيف ولم أتلق أي أورو غير شرعي في إطار عملي السياسي''. ولكن المناوئون له ومن خلاله للرئيس ساركوزي يصرون على هذه الشبهة وراحوا يربطون علاقة وورث يوم كان وزيرا للميزانية بين سنتي 2007 و2010 وهي الفترة التي كانت فيها زوجته تسير جزءا من ثروة بتانكور المتهمة هي بدورها بالتهرب الضريبي وحصولها على تعامل تفضيلي من حكومة الرئيس الفرنسي الحالي مقابل ضخها أموالا غير قانونية في خزينة الاتحاد من اجل الأغلبية الرئاسية. وكان يمكن لتصريحات مسؤولة الخزينة السابقة أن تمر هكذا دون أن تثير كل هذا السيل من الجدل والانتقادات لولا أنها لم تثر مسألة اخطر عندما أكدت أن ساركوزي عندما كان رئيسا لبلدية نويليي بالضاحية الغربية للعاصمة الفرنسية ما بين سنتي 1983 و2002 كان يتلقى أظرفة مالية من بتانكور'' وهو اتهام نفاه مقربون من ساركوزي في حينه. ولم يجد الرئيس الفرنسي الذي وجد نفسه محاصرا بتداعيات هذه الفضيحة سوى التضحية بوزيرين في حكومته وهما كاتب الدولة للتعاون ألان جويانديت وكاتب الدولة لباريس الكبرى كريستيان بلان بعد أن اتهما بتبديد أموال عمومية في وقت تدعو فيه السلطات الفرنسية إلى ترشيد النفقات والشح في صرفها ربما لتحويل الانظار عن فضيحة بتانكور والتخفيف من سيل الانتقادات التي يتعرض لها. ولكن ذلك لم يجد نفعا أمام معارضة لا تريد تضييع فرصة من ذهب لتشديد القبضة من حول الرئاسة الفرنسية الحالية لصالحها وهو ما جعل احد نواب الحزب الاشتراكي يتوقع أن تتحول قضية بتانكور إلى أزمة سياسية حادة في أعلى هرم السلطة الفرنسية''. وقال النائب الاشتراكي جو مارك ايرلوت ''أن رائحة نتنة أصبحت تنبعث بقوة هذه المرة ويتعين على رئيس الدولة أن يقدم حسابات بشأنها''. بينما ذهب رئيس حزب اليسار جون لوك ميلونشون إلى حد التشكيك في شرعية وصول الرئيس الفرنسي إلى قصر الاليزي على خلفية الاموال المحصل عليها بطريقة غير قانونية. تصريحات وحقائق جعلت الوزير الأول الفرنسي فرانسوا فيلون يؤكد أنها مجرد عملية مطاردة شخصية وعملية ممنهجة لزعزعة الحكومة الحالية''. ومهما كانت حقائق وحسابات كل طرف فإن المؤكد أن هزات ارتدادية ستخلفها هذه الفضيحة إن آجلا او عاجلا على حركة الرئيس الفرنسي وعلى شخصه ومستقبله السياسي.