للجزائر مميزات وخصوصيات تميزها عن باقي الأقطار العربية رغم مشاركتها مع هذه الأقطار في كثير من الخصائص الحضارية وتلاقيها معها في التاريخ البعيد والحديث، إلا أن الثقافة الجزائرية لها نكهتها ولها لونها ولها صوتها أيضا الذي يعطيها هذه الميزة والخاصية من ناحية القصيدة الشعرية والبناء الموسيقي، وهاهي الجزائر في المهرجان الثقافي الوطني لأغنية الشعبي تتفحص هذا التاريخ الثقافي وتكرم اسما من أقطاب أغنية الشعبي الشيخ ''حسيسن'' وهذا الاسم الذي هو تصغير تمليح لا نجده إلا في اللهجة الجزائرية العاصمية، فانطلقت فعاليات المهرجان في طبعته الخامسة، ومعها برز وجه من وجوه هذه الأغنية وقطب من أقطابها مكرما مع جملةمن المشايخ. هناك فوارق عديدة بين المشرق والمغرب حتى في الغناء، ولأن المغاربة أشد تحفظا وأكثر تمسكا بالدين وبصفائه أيضا الذي لم يتأثر بالديانات الأخرى نظرا لأن الأغلبية الساحقة مسلمة وعلى مذهب الامام مالك، ومن الملفت للانتباه وللباحثين في أدبنا الشعبي وتراثه نجد فيه الهيمنة الدينية والقصيدة الدينية أكثر من القصيدة العاطفية التي كانت تغنى في قصور الملوك والأمراء وأصحاب النفوذ في المشرق العربي. المغرب متميز بطابعه العمراني وبجمال طبيعته وأيضا بتماسك الأسرة وترابطها وتدينها ولهذا نجده يختلف اختلافا عن المشرق. المشرق العربي يسمى فيه المطرب، والمغني، أما في مغربنا الكبير فيسمى بالشيخ، والشاعر، وأهم ما يميز شيوخنا أن كلماتهم مهذبة ولا تخدش الحياء ولا تخرج عن خطوط الدين فالشيخ يبتدئ دائما قصائده بالمديح والصلاة على الرسول ودائما تذكر فاطمة الزهراء في القصيدة التي تم اشتقاق منها أسماء عديدة فاطِمة، فاطْمة، فطوم، فطومة، فطيمة، وكذا عيشة، عواوش عيشوش، والزهرة، وزهور، وزهيرة. أما تسمية الشيوخ بالنسبة لمنشدي قصائد الشعبي فهي تسمية مرتبطة بالحكمة والوقار لأن الشيخ لا يقدم إلا النصيحة والكلمة الطيبة عكس كلمة ''الشاب'' التي ظهرت في العقود الأخيرة لشيوخ الراي وعجائزه الذين يتسمون بالشباب رغم بلوغهم من الأعمار عتيا. مهرجان أغنية الشعبي يحمل هذه السنة اسم الشيخ حسيسن رحمه الله، وهو من الناحية العمرية لم يكن شيخا وإنما من ناحية المستوى الفني والغنائي الذي كان يقدمه، فالشيخ حسيسن وهو أحسن العربي من مواليد 08 ديسمبر من عام 1929 بالقصبة بعاصمة الجزائر وتوفاه الأجل يوم 29 سبتمبر 1958 بمستشفى ''الصديقية'' بتونس وهو مدفون بها رحمة الله عليه. لم تكن الحياة في الجزائر العاصمة إلا حياة متميزة بالنسبة للمسلمين ولسكان القصبة خاصة في حديثهم في لباسهم في طريقة مأكلهم ومعاملتهم ومساكنهم، فالقصبة نكهة اسلامية بعمرانها وأزقتها وكأنك في حواري الأندلس العتيقة بين سحائب عطور الياسمين والنعناع وصحون المنازل المزينة بالنوافير والنوافذ ذات الأسيجة الخشبية المنحوتة نحتا، والأبواب الجميلة بمقابضها كل شيء في القصبة يختلف عن بقية المدن الغربية. في هذه الأجواء ولد الشيخ حسيسن وكانت أعباق الأندلس وقصص الاسلام والحضارة العربية الاسلامية والشيوخ والعلماء والأولياء الأقطاب الرصيد الذي تملكه القصبة المدينة العتيقة وعلى هذا الميراث والتراث يتربى أبناؤها. الشيخ حسيسن ولع منذ صغره بالموسيقى والغناء وكانت القصبة تعطيه كل هذه الأحاسيس الجميلة وهذا التميز ''كانت أصوات الدربوكة، المندولين والكمان تدوي في كل مكان'' وكان وقتها الحاج محمد العنقا في أوج عطائه وتربعه على عرش أغنية الشعبي وكانت قصائده في الأفراح هي سيدة القصبة فيتأثر به شبابها، ومن تأثروا به الشيخ حسيسن ''حيث كان مولعا بالشيخ الحاج محمد العنقا في البداية بعدها سلط اهتمامه بالشيخ خليفة بلقاسم''. كما عرف حسيسن بالأخلاق الطيبة في صغره، لم يعارض والداه محمد بن عمر العربي وأمه تسعديت أن يشق طريق الفن حيث تكون مع أطفال حيه وألفت إليه الأنظار ثم كون أول جوق له وكان برفقة هذا الجوق ينظم سهرات بمناسبة الختانة، الحنة وحفلات الزفاف وعمره لا يتعدى ثلاثة وعشرين سنة، وكان يعزف على آلة المندولين ثم القيتارة ورغم ولوعه بالفن إلا أنه تربى أيضا على حب الوطن والوطنية فكان مناضلا في حركة الانتصار للحريات الديمقراطية وبعدها في صفوف جبهة التحرير الوطني أقام بباريس لاستكمال نضاله بالغربة وفي فرنسا تعرف بالموسيقار وقائد الجوق ''عمراوي ميسوم'' فعرفه بأصول الموسيقى الوطنية القبائلية والمديح الديني. التحق الشيخ حسيسن رحمه الله بالفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بصحبة دباج علي وأحمد وهبي وفريد علي، مصطفى كاتب، عبد الحميد رايس، مصطفى سحنون في جولة فنية بمدينة تونس وبعدها بلجيكا ثم ألمانيا. ساءت حالة حسيسن الصحية فرفض أن ينقل الى باريس للعلاج وفضل بقاءه بتونس للعلاج ليتوفاه الأجل يوم 29 سبتمبر 1958 إثر مرض عضال عن عمر يناهز 29 سنة. من أشهر أغانيه ''أطير القفص'' و''أرفدغ تافاليز'' ''الا هي يلتهي بهمة''، ''نهار الجمعة راح طيري''، ''الباز والغراب''، وغيرها من الأغاني في طابع أغنية الشعبي. هذا القطب الفني والذي لقب بالشيخ لجودة أغانيه والكلمات التي كان يؤديها، هو ما يميز الأغنية الجزائرية ويعطيها هذه الخاصية ويعطي لأقطابها مثل الشيخ حسيسن هذه التسمية وهذا البقاء. ملاحظة: المعلومات مأخوذة عن تعريف الأستاذ: عبد القادر بن دعماش.