شدد مجلس الوزراء من خلال القرارات المتخذة في اجتماعه الأخير الخناق على الآفات التي تتهدد استقرار الاقتصاد الوطني، على غرار الرشوة والغش والاختلاس وغيرها من مظاهر الفساد التي تفشت بشكل مريع خلال الفترة الأخيرة في مشاريع ومؤسسات وطنية ذات بعد استراتيجي، مما اضطر السلطات العليا في البلاد إلى اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية التشريعية منها والعملياتية لإحكام الحرب التي تخوضها ضد هذه الظاهرة الخبيثة. فبعد سلسلة التدابير القانونية التي توالى اصدارها وتعديلها ودعمها خلال الأشهر الماضية جاء الإعلان عن إنشاء ديوان وطني لمكافحة الفساد، بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة مساء الأربعاء المنصرم، ليعزز الإجراءات العملية التي من شأنها تقوية وسائل الرقابة والتقصي في قضايا الفساد، حيث يقر هذا الإجراء الجديد بإحداث هيئة مركزية لقمع الفساد مهمتها إثبات المخالفات ذات صلة بالآفة، مع توسيع صلاحيات وإقليم تخصص ضباط الشرطة القضائية التابعين لها إلى كامل مناطق التراب الوطني، ما سيعمل على إضفاء مزيد من الفعالية على جهود محاربة الفساد داخل الوطن، وتسهيل التعاون الدولي من خلال التنسيق مع الشرطة الدولية ''أنتربول'' في مجال محاربة هذه الآفة. ويندرج استحداث هذا الديوان المركزي ضمن التعديلات التي ادخلها مجلس الوزراء على القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 المتعلق باتقاء ومحاربة الفساد، المستمد من أحكام اتفاقية الأممالمتحدة من أجل اتقاء ومحاربة الفساد، التي صادقت عليها الجزائر. كما تنص تدابير تعديل هذا القانون على إلزام المتعاملين الوطنيين والأجانب عند مشاركتهم في مناقصات الصفقات العمومية، بتوقيع تصريح بالنزاهة، يتعهدون فيه بعدم ارتكاب أو قبول أي فعل من أفعال الفساد. وفي هذا السياق أقرت السلطات العمومية جملة من الإجراءات العملية الجديدة الهادفة إلى اتقاء مظاهر الفساد والوقاية منها، ضمنتها3 أوامر رئاسية أخرى، ترمي بالأساس إلى: تعزيز صلاحيات مجلس المحاسبة تضمن تعديل وإثراء المرسوم رقم 95-20 المؤرخ في 17 يوليو 1995 والمتعلق بمجلس المحاسبة، توسيع مهام هذا الأخير لتشمل تعزيز الوقاية من مختلف أشكال الغش والممارسات غير القانونية التي تمس الذمة المالية والأموال العمومية، مع منحه صلاحية اقتراح توصيات تهدف إلى تعزيز آليات حماية الأموال العمومية، إضافة إلى توسيع مجال الرقابة الموكلة له ليشمل تسيير المؤسسات التي تملك الدولة معظم الأسهم في رأس مالها أو سلطة القرار الترجيحية فيها، حيث يتعين على مجلس المحاسبة في هذا الإطار التأكد من وجود آليات وإجراءات فعالة للرقابة الداخلية للحسابات وتقصي مجرى العمليات المالية والحسابية المنجزة. كما تم بموجب النص المعدل تعزيز فعالية رقابة مجلس المحاسبة من خلال توضيح تنظيم وسير غرفة الانضباط الميزاني والمالي في مجال التحقيق والنطق بالحكم وإلزام مسؤولي المجموعات والهيئات الخاضعة لمراقبتها بتبليغ نتائجها للأجهزة التي تتولى المداولات في اجل أقصاه شهران مع إعلام مجلس المحاسبة بما يترتب عن ذلك. وفضلا عن تشديد العقوبات المالية التي سيتخذها مجلس المحاسبة، يحدد النص الجديد مسؤوليات الأعوان وممثلي وإداريي الهيئات الخاضعة للرقابة، بشكل يبين مدى مسؤولية كل طرف من الأطراف المسؤولة في ارتكاب المخالفة. مراقبة الصرف وحركة رؤوس الأموال من جانب آخر أقر مجلس الوزراء ضمن تدابير الوقاية من الغش والفساد، أمرا رئاسيا يعدل ويتمم الأمر الرئاسي المتعلق بقمع مخالفة التشريعات والتنظيمات الخاصة بالصرف وحركة رؤوس الأموال من الخارج وصوبه، حيث تم بموجب التعديلات إدراج مخالفات جديدة تشمل استيراد وتصدير غير قانوني لقيم منقولة أو سندات مالية والذهب والقطع الثمينة والأحجار الكريمة، مع إلغاء الشكوى المسبقة لوزارة المالية أو بنك الجزائر لتحويل المحاضر المتعلقة بمخالفات الصرف إلى النيابة، تقليص إجراءات المعاملات المالية المنصوص عليها في القانون بتحديد محل الجنحة ب20 مليون دينار كأقصى حد بدلا من 50 مليون دينار، وحظر الصفقة عندما تكون الجنحة مرتبطة بالفساد أو تبييض الأموال أو تهريب المخدرات أو الجريمة المنظمة. كما تتضمن الإجراءات الجديدة توسيع مجال العقوبات إلى مصادرة الوسائل المستعملة في ارتكاب الغش إلى جانب حجز محل الجريمة والغرامات دون الإخلال بالعقوبات الجزائية التي تقررها المحكمة، وكذا إحداث وزارة المالية وبنك الجزائر لبطاقية وطنية لمخالفي تشريع الصرف بما يتيح تطبيق عقوبات ملحقة. فرض الشفافية في نشاطات البنوك في إطار مراجعتها للأمر الرئاسي المرتبط بالنقد والقرض، أقرت السلطات العمومية بتحسين مهام بنك الجزائر وتكليفه بالسهر على فعالية أنظمة الدفع وتحديد القواعد التي تسيرها مع ضمان أمن وسائل الدفع من غير الأوراق النقدية. كما شددت على ضرورة تعزيز أمن ومتانة المنظومة البنكية بمتابعة كافة البنوك العمومية والخاصة ومراقبتها، من خلال المهام والصلاحية المنوطة ببنك الجزائر. وتتمثل هذه الصلاحيات بالأساس في مطالبة البنوك والمؤسسات المالية بأية معلومة يحتاجها في صياغة ميزان مدفوعات البلاد ووضعها المالي، إلزام العمليات التي تجريها البنوك والمؤسسات المالية بالمعايير التي يحددها لها مجلس النقد والقرض، وكذا محاربة كل أشكال الغش والتحايل في العمليات التي تجريها البنوك والمؤسسات المالية. كما أقرت السلطات العمومية ضمن مساعي تعزيز الشفافية في النشاطات البنكية، إجراء جديدا يقضي بامتلاك الدولة سهما خاصا في رأس مال البنوك والمؤسسات المالية ذات رأس المال الخاص، وذلك لتكون ممثلة في الأجهزة الاجتماعية. وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن هذه الأوامر الرئاسية الأربعة التي جاءت لتثري الترسانة التنظيمية لمحاربة الفساد، هي مستمدة من التعليمة الرئاسية المتعلقة بمكافحة الفساد والتي وجهها رئيس الجمهورية للحكومة في ديسمبر الماضي.