استضاف منتدى المجاهد الدكتور محمد العربي ولد خليفة رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في ندوة ثقافية فكرية أمس الأربعاء ألقى خلالها محاضرة دارت حول ''اللغة والحداثة'' ناقش فيها موضوع اللغة والمجتمع والنخب والحداثة، داعيا الى الانتاج العلمي باللغة العربية، وفي ذات الوقت الى التنوع والانسجام والتناغم من أجل توظيف المعرفة لخدمة الوطن وحده. ورأى الدكتور محمد العربي ولد خليفة أن المسألة اللغوية في الجزائر تبدو أكثر تعقيدا مما هي عليه في الجوار المغاربي والبلاد العربية، وأرجع ذلك الى الاحتلال الاستيطاني الطويل وسياسات التخريب المعنوي لثقافتنا وتراثنا. كما أكد المحاضر أن اختلاط المفاهيم والانشطار الحاد داخل النخب الجزائرية يعود الى الابتعاد عن المقاربات، عن توصيف وتحليل الواقع اللساني في الجزائر، اغفال العديد من الفعاليات الثقافية والاعلامية لتاريخيّة الوضعية اللغوية، اعتقاد البعض ببقاء الوظيفة الدفاعية بعد تعاقب جيلين ما بين (1962-2010) مما أدى الى سوء الفهم وقلة منابر الحوار. أما فيما يخص التعددية اللسانية بالجزائر، فهي في حقيقتها مستويات في الخطاب وسياسة اللغة وتسييسها. ويقول رئيس المجلس الاعلى للغة العربية مشرحا الاسباب التي أدت الى الانشطار، أن معالجة هذا الانشطار يمكن أن يكون في تبادل الرأي حول المسائل بموضوعية داخل النخبة، وفي المجتمع بوجه عام لأن الانقسام يضعف ثقافتنا ويمنع التواصل والتثاقف فضلا عن انتشار الخطاب المرقع بين خاصة الناس وعامتهم. أما فيما يخص التلازم بين اللسان ومضامينه فيقول المفكر العربي ولد خليفة: ''إذاكانت لا توجد ثقافة بدون لغة تضمن انتقال التراث والتواصل بين أفرادها والجماعات التي تنتمي إليها، فإنه لا وجود أيضا للغة بلا ثقافة، إن مثل هذه الفرضية المستحيلة تجعل اللغة مجرد قواقع فارغة، وأصواتا لا تتجاوز حدود الاستجابة للحاجات الأولية''. ويرى الدكتور ولد خليفة في التنوع اللساني مصدرا للثروة الفكرية والابداعية. ولاحظ المتحدث أن أسباب هذا القلق اللغوي يعود إلى: ''أن في الجزائر ذاكرة تاريخية جريحة، تستحضرها أجيال لا تفصل بين شرور الكولونياليّة الفرنسية وأدواتها في قمع وإذلال الآباء والأجداد، وهو ما لا نلحظه في البلاد العربية المجاورة التي كانت جروح ذاكرتها أقل عمقا وإيلاما''. كما أشار الدكتور المحاضر إلى أن التداخل اللغوي يشمل كل لغات العالم بما فيها الأكثر خصوبة وانتشارا مثل الفرنسية والاسبانية والانجليزية والعربية. ويرى رئيس المجلس الأعلى اللغة العربية أن اللغة ملكية المجتمع والتفريط فيها علامة على تردي الروح المعنوية للأمة، وعجزها عن خوض سباقات العصر وأن تمزيق اللغة وتشتيتها ليس في مصلحتنا، ولا نوافق أن تكون لغات، هنا في الجزائر، لغتان فقط عربية وأمازيغية، العربية تخلق التجانس والتناغم وتعطينا عمقا في العالم الاسلامي، وعندنا في الجزائر - يضيف المحاضر- لغة ''أم'' و ''لغة الأم'' ومن وظائف اللغة العربية الوحدة الوطنية التي هي مسألة استراتيجية وعقيدة عامة تتلخص في الاسلام واللغة، ولتحقيق الوحدة الوطنية والحرص عليها هي أن تبقى حصينة باللغة والإسلام، لأن فرنسا عملت على أن تجعل منا عدة شعوب وهذا لعمري انتقام من الجزائريين الذين لم يقوموا بأي شر في اتجاه فرنسا''. وخلص الدكتور ولد خليفة الى الدعوة الى تحقيق التوازن بين النوعية والكمية وتساوي الفرص وتعميم التعليم للتعويض عن الحرمان، لأن التعليم هو الترقية الاجتماعية، وزرع المعرفة وغرسها عن طريق اللغة هي الأصح والأصلح، والتحكم في التكنولوجيا لا يتحقق إلا في المنظومة التربوية والتكوين لتحديث المجتمع، والمدرسة تبقى صورة للمجتمع.