تعيش العديد من بلديات العاصمة ضغطا كبيرا على مصالحها، خاصة تلك المتعلقة باستخراج شهادات الميلاد ''12 خ''، التي لا يمكن الحصول عليها إلا بعد أكثر من شهر من الانتظار، على حد تعبير العديد من المواطنين، وسط حيرة أعوان البلدية في التعامل مع الندرة المسجلة في توزيع المطبوعة المستغلة لإصدار الشهادة الجديدة، وهو ما حول مصالح الحالة المدنية إلى حلبة صراع دائم بين المواطن وأعوان المصلحة، خاصة إذا ما عرفنا أن تأخر إصدار هذه الوثيقة كان وراء تأخير العديد من عمليات الزواج وعرقلت أعمال العديد من التجار، وحتى المرضى وجدوا صعوبة كبيرة في السفر بغرض العلاج، بسبب تماطل السلطات المحلية في تطبيق الإجراءات الاستثنائية التي أقرتها وزارة الداخلية لهذه الفئات. تفاقمت منذ شهر نوفمبر الفارط، أزمة ندرة المطبوعات المتعلقة باستخراج شهادة الميلاد ''12 خ'' على مستوى مختلف مصالح الحالة المدنية بالعاصمة، على غرار باقي ولايات الوطن، الأمر الذي أطال فترة الحصول على الوثيقة الأساسية في ملف استخراج جواز السفر البيومتري وبطاقة التعريف الالكترونية، إلى أكثر من شهر، وهو ما لم يتقبله العديد من المواطنين الراغبين في السفر لقضاء حاجتهم، وهو ما لمسناه خلال الزيارة الميدانية التي قادتنا لعدد من البلديات التي وجدناها مكتظة عن آخرها بالمواطنين الذين يتشكلون صباح كل يوم في طوابير غير متناهية أمام الشبابيك، عسى أن يسمعوا أسماءهم ضمن القوائم التي تم تحضير شهادات ''12 خ''، لكن اغلبهم مضطرون للعودة مرة ثانية وثالثة وأكثر للحصول عليها، وهو ما فتح المجال واسعا للمحاباة وسط بعض أعوان البلديات، الذين يستغلون مثل هذه الفرص على حساب المواطن البسيط. وما سجلناه خلال جولتنا الميدانية، أن إشكالية ندرة مطبوعات شهادات الميلاد الحديثة تزداد حدة بالبلديات التي تقع على مستوى إقليمها المؤسسات الاستشفائية الكبرى، على غرار حسين داي، باب الوادي، القصبة بالنظر للعدد الهائل من المواليد المسجلين بمصالح الحالة المدنية وارتفاع عدد طالبي الوثيقة، الذين يأتون من مختلف البلديات وحتى الولايات للحصول عليها، حيث تشير بعض المعطيات المتوفرة، إلى ارتفاع عدد الطلبات في اليوم الواحد عن ,300 الأمر الذي دفع بأعوان المصلحة إلى تمديد فترة معالجة الطلبات لأكثر من شهر، خاصة إذا علمنا أن عدد المطبوعات التي تتحصل عليها لا تزيد عن 150 خلال شهر واحد. ورغم كل محاولات مصالح الحالة المدنية لضبط عملية استخراج هذه الوثيقة التي حدد لها الفترة الصباحية للإيداع والمسائية للسحب، إلا أن الضغط الكبير عليها جعلها تعيد النظر في هذا النظام وترك المجال مفتوحا للإيداع والسحب في نفس الوقت، أما طلبات المقيمين خارج الولاية، فيطلب منهم إرفاق شهادة الإقامة لتسريع عملية دراسة طلباتهم، غير أن محدودية عدد أعوان المصالح المعنية والحالة المتدهورة للأرشيف، زادت من صعوبة دراسة الملفات حسب تأكيدات عدد من أعوان المصالح المدنية. وعن أسباب ندرة مطبوعات شهادة الميلاد ''12 خ''، يوضح رؤساء مصالح الحالة المدنية الذين استجوبناهم، إلى أن الهيئة التي عهدت لها مهمة طبعها هي ''دار النقد''، التي تصدر النقود نظرا لنوعية الورق المستغل، والذي لا يختلف عن أوراق النقود لوضع حد لكل محاولة تزوير، غير أن طبع هذه الوثيقة الجديدة لا يتماشى وارتفاع عدد طلبات المواطنين، خاصة بعد أن تم ربط استخراج جواز السفر وبطاقة التعريف بالشهادة الجديدة. عقود قران ودراسات جامعية بالخارج مؤجلة بسبب شهادة ''12 خ'' وببلدية القبة، كان لنا حديث مع بعض المواطنين بالطابور الذي تشكل حسب المعنيين منذ الساعات الأولى حتى قبل مجيئ من يفتح باب المصلحة، في محاولة للظفر بالمقعد الأول في رحلة الانتظار للحصول على الشهادة، وحسب الحاج محمد الذي استطاع الحصول على وكالة من ابنته بغرض سحب شهادة الميلاد ''12خ''، فإن الإجراءات الجديدة زادت من معاناة المواطن، مشيرا إلى العراقيل التي تعيق تنقل ابنه لمواصلة دراسته بالخارج، حيث استلزم عليه الأمر التنقل من ولاية الجلفة إلى العاصمة أكثر من أربع مرات في رحلة البحث عن شهادة الميلاد ''12 خ''، ولغاية اللحظة وبعد أكثر من شهر، لم يتمكن من الحصول عليها، وقد يخسر مكانه في الجامعة الفرنسية إذا لم يتمكن من الحصول على جواز السفر في وقته. وببلدية حسين داي، تحدثت إلينا فتاة في مقتبل العمر بحسرة، وهي تسرد لنا قصة زفافها المؤجل منذ أكثر من ثلاثة أشهر، بسبب عدم تمكنها من الحصول على جواز السفر، بسبب تعطل عملية استخراج شهادة الميلاد الجديدة لأكثر من شهر، وبعد الحصول عليها اكتشفت وجود خطأ في اسم العائلة مما استلزم عليها الأمر الانتظار لوقت إضافي، علما أنها أجبرت على الاتصال بالمصالح القضائية لتصحيح الخطأ، ليقاطعها الحديث مواطن آخر، مشيرا إلى استثماره المتوقف بسبب عدم تمكنه من التنقل إلى إحدى الدول الأوروبية لعقد الصفقة، التي قد يخسرها في حالة تأخر صدور جواز سفره، مؤكدا أن قلقه لا يزول عند الحصول على الشهادة، حيث يستوجب عليه الانتظار أكثر قبل الحصول على الوثيقة التي تسهل عليه السفر إلى الخارج. وعند تجاذب أطراف الحديث مع عدد من المواطنين في الطابور، أجمع الكل على تجذر البيروقراطية بالإدارة الجزائرية، ملمحين في حديثهم إلى منتهزي الفرص من بعض عمال المصالح المدنية، الذين لا يتوانون في عرض خدماتهم بالمقابل على المواطنين الذين يلمسون فيهم عجلة في أمرهم من خلال تفضيل طلباتهم في الدراسة وتخصيص المطبوعات الأولى، التي تصل إلى المصلحة لطلبهم. منتهزو الفرص يصطادون فرائسهم المستعجلة ونحن بإحدى بلديات العاصمة، حاولنا التقرب من بعض أعوان الاستقبال للاطلاع على ظروف استخراج شهادة الميلاد ''12 خ''، والوقت الذي يجب أن ننتظره قبل الحصول على طلبنا، مصرين في الحديث على أننا في عجلة من أمرنا ولا يمكن الانتظار أكثر من شهر، حيث لم يتوان العون في توجيهنا لأحد الشبابيك، حيث كان زميله منهمكا وسط أكوام من الورق، ومباشرة بعد الاطلاع على طلبنا شفهيا رد علينا بكل برودة'' لكل خدمة ثمنها، يجب أن تأخذوا بعين الاعتبار الجهد الذي سنبذله من أجلكم''. والحال هو نفسه بكل بلديات الوطن، التي تعرف منذ عدة شهور ضغطا كبيرا على مصالحها، خاصة تلك التي لم تستفد من الأرشفة الالكترونية لملفاتها، ولسد العجز سارعت بعض البلديات إلى توظيف عدد إضافي من الأعوان في مصالح الحالة المدنية، غير أن العملية لم تحل الأزمة بالنظر إلى عدد المطبوعات القليلة جدا التي تصل البلديات شهريا، والتي تزيد عن 100 في أقصى الحالات، ويتساءل العديد من رؤساء مصالح الحالة المدنية عن سبب اختيار ''دار النقد'' في عملية طبع وثيقة شهادة الميلاد الجديدة، في الوقت الذي يتم فيه طبع كل الوثائق الإدارية بالمطبعة الرسمية، محملين مسؤولية التأخر في استصدار هذه الشهادة التي يكثر عليها الطلب منذ شهر أفريل الفارط، إلى نقص عدد المطبوعات التي تخصصها ''دار النقد'' لكل ولاية، والتي تقوم هذه الأخيرة بتوزيعها على البلديات التي قد تصل حصة الواحد فيها شهريا إلى أقل من عشرة في بعض الحالات، ناهيك عن حالة الأرشيف الوطني والأخطاء الإدارية التي تقع عند نقل البيانات، التي قد تضطر صاحب الشهادة إلى جلب قرارات تصحيح من العدالة، وهو ما يستغرق وقتا إضافيا في استخراج الوثيقة.