قطعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الشك باليقين أمس بخصوص تخليها عن النظام المصري الذي لم يعد يخدم مصالحها وأكدت أنها مع مطالب التغيير التي يصر عليها الشعب المصري. وقالت كلينتون في تصريحات أكثر وضوحا بخصوص تداعيات الأزمة السياسية في مصر أن الرئيس مبارك لم يقم بأي خطوة تستدعي التنويه باتجاه تحقيق الديمقراطية في بلاده وطالبت لأجل ذلك ب''انتقال سلس للسلطة''. وكانت هذه العبارة كافية لتوضيح موقف إدارة الرئيس باراك اوباما بعد تردد كبير من حليف كان محور الاستراتيجيات الأمريكية المتعاقبة في منطقة الشرق الأوسط منذ عقود. ويدفع مثل هذا الموقف إلى القول أن ما قام به الرئيس المصري من تغييرات لم يكن كافيا ولم يرق لأن يرضيها واعتبرته مجرد ذر للرماد في سياق ثورة شعبية ستكتسح كل شيء إن هي تواصلت بمثل هذا الزخم. وقالت أن تلك التغييرات غير كافية وأمور الإصلاحات التي طالبت بها الإدارة الأمريكية هي في بداياتها فقط وهو ما يعني بالضرورة أن الرئيس المصري أصبح محاصرا بضغوط أمريكية متزايدة وشارع لا يريد التراجع وعامل زمني لا يسمح بإحداث تلك التغييرات الجوهرية التي تقبل بها واشنطن والجماهير الرافضة له في نفس الوقت. وهي معادلة يبقى حلها صعبا حد الاستحالة وهو ما يؤكد من خلال قراءة واحدة أن واشنطن نفضت يدها فعلا من الرئيس مبارك ونظامه الذي لم يعد يخدم مصالحها في المنطقة. بقناعة أنها لا تريد تكرار تجربة شاه إيران الذي راهنت عليه اعتقادا منها انه سيصمد أمام ثورة زاحفة. بل أن بقاء الرئيس مبارك في ظل تسارع الأحداث التي لم تكن حتى الإدارة الأمريكية تتوقعها أصبح من منظور الإدارة الأمريكية خطرا على مصالحها وعلى عملية التوازنات الاستراتيجية في كل منطقة الشرق الأوسط بعد الرفض الشعبي الذي أصبح يواجهه ويهدد بالإطاحة به في كل لحظة. والواقع أن موقف الإدارة الأمريكية فرضه تخوفها من احتمالات متزايدة من انفلات الموقف من تحت سيطرتها باتجاه استيلاء المعارضة الإسلامية على مقاليد الحكم في مصر بما لذلك من انعكاسات في علاقات مصر بإسرائيل حليفها الأبدي في المنطقة العربية وقد وجدت نفسها مرغمة على التضحية بنظام رئيس مهدد في عرشه لصالح نظام مقبول من الجماهير المصرية الثائرة وتضمن من خلاله المحافظة على مصالحها الاستراتيجية في منطقة توصف بقلب العالم. وتيقنت إدارة الرئيس اوباما من ذلك بعد أن تأكدت أنه لم يعد لها أي تحكم في إرادة شعب خرج إلى الشارع دون تأطير حزبي وهو ما يفسر ذلك الارتباك الذي طبع مواقف مسؤولي الإدارة الأمريكية الذين تأرجحت مواقفهم بين الدهشة والتعامل الحذر مع الوضع قبل أن تحسم في موقفها منقلبة على اكبر حلفائها في المنطقة العربية. ولم يكن انضمام حركة الإخوان أمس إلى صف أحزاب المعارضة اللائكية الداعمة لمحمد البرادعي كشخصية بديلة لاستخلاف الرئيس مبارك والتفاوض مع النظام الحالي إلا بداية لمثل هذه الصفقة التي ستكون في مجملها في صالح الولاياتالمتحدة قبل غيرها.