أبرزت الندوة التاريخية التي نظمت بمناسبة الذكرى 51 للتجارب النووية الفرنسية بران، أن فرنسا الاستعمارية شرعت في اقتراف جرائمها ضد الإنسانية منذ أن وطأت قدمها أرض الجزائر وطيلة كفاح الشعب الجزائري بدءا بالمقاومات الشعبية، فالمقاومة السياسية السلمية إلى إعلان الثورة والكفاح المسلح. وأوضحت الندوة التي نظمتها جمعية ''مشعل الشهيد''، أمس، بنادي يومية ''المجاهد''، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية وفي إطار الأسبوع الثقافي والتاريخي الحادي عشر حول الثورة التحريرية، أن فرنسا ارتكبت جرائم سنة 1832 عندما أبادت قبيلتي العوفية بضواحي الحراش، وأولاد رياح بالغرب الجزائري، إضافة إلى إبادات جماعية لقبائل بأكملها مثل قبيلة السبايح، عندما اختفى الجزائريون في مغارات خوفا من بطشها وتقتيلها، إلى أن وصلت إلى تنفيذ جريمتها النووية في حق الجزائريين في 13 فيفري 1960 حينما أجرت أول تفجير نووي لها بمنطقة الحمودية بالقرب من ران بأدرار. وفي محاضرة تحت عنوان ''ديغول والتجارب النووية الفرنسية بالجزائر''، أكد المؤرخ القورصو محمد، أن نية فرنسا في ارتكاب الجريمة النووية في حق الجزائريين كانت مبيتة وتمت على أساس عنصري وبهدف تصفية الإنسان الجزائري، وذلك مثلما أكده الرئيس الفرنسي في مذكراته، حيث نقلت هذه الأخيرة، اعترافاته بذلك عندما أشارت إلى اجتماعه في 3 نوفمبر 1959 بقيادة الجيش الفرنسي والباحثين وعلماء الفيزياء النووية، وحثهم على إنتاج السلاح النووي في أقرب وقت، مؤكدا لهم، أنه سيجرب في الصحراء الجزائرية، وذلك ما تم بالفعل - يضيف الدكتور القورصو- تحت تسمية ''اليربوع الأزرق'' أو التجارب الفتاكة التي استعملت الجزائريين فئرانا تجريبية، وخلفت آلاف الضحايا ولا تزال تقتل الجزائريين وبيئتهم إلى يومنا هذا. ويذكر الأستاذ القورصو، استنادا إلى مذكرات ديغول دائما، أن هذا الأخير ترأس اجتماعا لمجلس الوزراء في 4 ماي ,1962 ليؤكد فيه ضرورة إنتاج حامل السلاح النووي قبل نهاية السنة نفسها وكان يقصد إنتاج ''الميراج'' وبالتالي إمكانية تصفية 20 مليون نسمة في مستعمراتها وفي مقدمتها الجزائر، في بضع ساعات. وأوضح المحاضر في هذا الشأن، أن فرنسا برئاسة ديغول بنت استقلالها الوطني السياسي والاستراتيجي على أرواح ضحايا التفجيرات النووية بالجزائر، ذلك أنها اختارت الجزائر من بين مستعمراتها الأخرى، مكانا لتنفيذ جريمتها ضد الإنسانية في حق الجزائريين، على أساس عنصري حاقد، لا يمكن لأي إنسان في العالم أن يغفره لها. وأضاف أنه بالرغم من معارضة كل من بريطانيا، أمريكا، ألمانيا والأمم المتحدة لرغبة فرنسا بإجراء تفجيرات نووية وعدم السماح لها بالالتحاق بالنادي النووي، إلا أن فرنسا ارتكبت جريمتها النووية في حق الجزائريين لكي تلتحق بهذا النادي وتصنع لنفسها استقلالا وطنيا واستراتيجيا كقوة نووية عالمية تتمتع بحق الفيتو لمجلس الأمن. ويتساءل الأستاذ القورصو في سياق حديثه عن سبب تواصل التجارب النووية الفرنسية بالجزائر إلى غاية 1966حتى ولو أن بن بلة قال إننا بلغنا سنة 1963 أن فرنسا تعتزم إجراء تجارب نووية أخرى. وأوضح المتحدث في هذا الصدد، أن إثارة ملف التجارب النووية الفرنسية بالجزائر لم يكن إلا سنة 1997 من طرف رئيس جمعية 8 ماي .45 المرحوم بشير بومعزة، غير أن نضال المجتمع المدني الجزائري الذي يفترض -كما قال- ''أن يكون قاطرة هذا الملف، لا يزال ضعيفا، ولذلك يمكن للدولة الجزائرية أن تتأسس كطرف في معالجته وفقا للقوانين الدولية ومطالب المجموعة الوطنية وعلى رأسها ضحايا وسكان مناطق التفجيرات النووية ولا شك -يبرز المتحدث- أن مذكرات ديغول لا سيما في الصفحة 227 في باب القنبلة النووية الفرنسية، تحمل اعتراف فرنسا بجرائمها المبيتة في هذا المجال في حق الجزائريين، من أجل صنع مجد لها بين الدول النووية. وقال القورصو، ''يجب أن ننتقل إلى الهجوم في الدفاع عن الحق وعن الحقيقة من أجل الاعتراف، الاعتذار وتعويض الضحايا من البشر والبيئة''، وأمام غياب هذا الهجوم -يضيف المتحدث-، فإن فرنسا تجرمنا لمواقفنا المتساهلة في هذا الموضوع. ومن جانبه، أوضح الباحث عمار بلخوجة، أن فرنسا ارتكبت جرائمها منذ السنوات الأولى لاحتلالها الجزائر ومارست ضد الشعب الجزائري أبشع أنواع الإبادة الجماعية.وقد انتقد المحاضر في حديثه، دور السينما الجزائرية في إبراز هذه الحقائق التاريخية للعالم، معتبرا إياها الغائب الأكبر في جميع المجازر الفرنسية بالجزائر، ودعا إلى استدراك هذا الأمر ودخول التاريخ من بابه الواسع، لأنها تتناول بذلك ذاكرة الأمة وتاريخها المجيد. وخلال النقاش، طرح الناطق الرسمي للهيئة الجزائرية المناهضة للفكر الاستعماري، السيد أحمد لخضر بن سعيد، عدم الاكتفاء بالبحوث التاريخية فقط حول التجارب النووية الفرنسية بالجزائر وضرورة الانتقال إلى الفعل، داعيا المجتمع المدني والسلطات العمومية إلى مطالبة فرنسا بالامتثال للقوانين الدولية والضغط عليها للانصياع إلى مطالب الضحايا من البشر والبيئة. حيث يمكن -كما قال- ''مطالبتها بتحمل تكاليف تنظيف المحيط من الإشعاعات النووية في الصحراء الجزائرية وبناء مستشفيات خاصة بضحايا التفجيرات، إضافة إلى إقرار الشراكة في الاستعمالات النووية الفرنسية على اعتبار أن أرواح الجزائريين وبلادهم كانت قاعدة أساسية في تحول فرنسا إلى دولة نووية وبذلك أحرزت تطورا نوويا عسكريا أو سلميا في هذا المجال.