يبدو أن القيادة العسكرية الجديدة في مصر بدأت تضيق ذرعا من رياح التغيير التي أنتجتها ثورة 25 جانفي مما دفعها أمس، إلى مطالبة المعتصمين في ساحة التحرير والمضربين في مختلف القطاعات إلى استئناف حياتهم بشكل عاد في محاولة لإنهاء حالة الشلل التي ضربت كل أوجه الحياة في مصر. وطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة كافة ''المواطنين المصريين ومختلف النقابات وكل العمال إلى الاضطلاع بمهامهم على أحسن ما يرام في مثل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد إلى غاية إقامة نظام مدني منتخب من طرف الشعب''. وبدأت رياح التغيير التي خلفتها ثورة الشباب المصري تهب بقوة على مختلف الهيئات الاقتصادية والحكومية المصرية لقطع الصلة مع بقايا النظام السابق الذين تحكموا في رقاب الناس طيلة ثلاثة عقود من هيمنة حزب التجمع الوطني الديمقراطي. وفتحت ثورة ساحة التحرير شهية كل المصريين وفي كل القطاعات من اجل رفع الغبن عنهم سواء برفع الرقابة المفروضة عليهم أو رفع أجورهم وإعادة الاعتبار لهم وهو ما دفع بهم إلى شن إضرابات مفتوحة إلى غاية تلبية مطالبهم. وحمل مشعل هذه المطالب الزاحفة على قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ممثلو الشباب الذين التقوا لأول مرة أمس مع جنرالات الجيش المصري بغرض عرض حزمة مطالبهم التي خرجوا من أجلها طيلة ثلاثة أسابيع إلى ميدان التحرير ومختلف المدن المصرية. وحسب وائل غنيم أحد قادة الثورة الشبانية على المواقع الالكترونية فإن الجيش التزم أمام الوفد الشباني بإدخال تعديلات دستورية جوهرية خلال العشرة أيام القادمة على أن تعرض تلك التعديلات على استفتاء عام خلال الشهرين القادمين وذلك تلبية لمطالب المتظاهرين. وأكدت قيادة المجلس العسكري أنها لن تبقى على رأس البلاد سوى لمدة ستة أشهر الفترة التي يتم خلالها إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية ولكن مع الإبقاء على حكومة أحمد شفيق التي شكلها الرئيس المطاح به حسني مبارك قبل رحيله بأسبوعين. وقال وائل غنيم أن اللقاء مع قيادة الجيش سمح بعرض كل طرف لوجهة نظره وتأكد خلالها أن الجيش لا يريد حكم البلاد وأن مستقبل مصر يجب أن يكون بين أيدي سلطة مدنية مع تعهده أيضا بملاحقة كل المسؤولين المتهمين بالرشوة سواء أولئك الذين مازالوا في السلطة أو السابقين. وتشهد الساحات المقابلة للمؤسسات الاقتصادية والخدماتية والوزارات والبنوك اعتصامات ووقفات احتجاجية للعمال والموظفين الذين يطالبون بتحسين أوضاعهم المالية والتحقيق في وقائع فساد وتثبيت العاملين المؤقتين في مناصبهم. وقد شهدت المصارف والبنوك في القاهرة وعدد من المحافظات احتجاجات ومظاهرات واسعة للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية ولجأ العاملون في بعض البنوك إلى توزيع منشورات طالبوا من خلالها بإقالة مسؤوليهم المباشرين بعد أن نددوا بما أسموه ''الفساد والظلم'' في توزيع الأرباح والحوافز والرواتب. وزحفت المظاهرات العمالية إلى مختلف القطاعات العامة والخاصة منها قطاع التربية وشركات البترول والغاز والكهرباء بفروعها وشركات السياحة والاتصالات والمتاجر الكبرى وحتى جهاز الشرطة للمطالبة ب''تحسين أوضاعهم المعيشية والتحقيق في الفساد والمحسوبية داخلها''. ولم يستثن قطاع الصحافة والإعلام من هذه الاحتجاجات، حيث يتعرض رؤساء تحرير ومسؤولي أجهزة إعلام عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك ''لإهانات'' يومية من قبل العاملين معهم والذين يتهمونهم ب''الفساد وبمحاباة النظام وموالاته وخدمة توجهاته السياسية'' ويطالبون برحيلهم. ولم تستثن عدوى الاحتجاجات مؤسسة الأزهر، حيث جدد العديد من الشيوخ والفقهاء مطلبهم القديم الخاص باعتماد اختيار شيخ الأزهر عن طريقة الانتخابات كما كان في السابق بدلا من التعيين الجاري حاليا.