لم يتمكن وزراء خارجية الدول الأكثر غنى في العالم في اجتماعهم الذي عقدوه طيلة يومين بالعاصمة الفرنسية من حسم مسألة التدخل في ليبيا أو على الأقل فرض منطقة حظر جوي ضدها ورموا بالكرة إلى معسكر مجلس الأمن الدولي من أجل ممارسة ضغوط أكبر على نظام العقيد الليبي معمر القذافي. وتفادى الوزراء المشاركون في هذا اللقاء الذي جاء أربعة أيام بعد قمة الاتحاد الأوروبي واجتماع وزراء الدفاع في الحلف الأطلسي البحث مطولا في مسألة فرض منطقة حظر جوي ولم يدرجوها في البيان الختامي وهو ما يؤكد وجود خلافات جوهرية بين الدول الأكثر تصنيعا في العالم حول هذه القضية التي لم تلق الإجماع إلى حد الآن بسبب مخاطرها أو إلى غاية الحصول على ضوء اخضر بشأنها من طرف مجلس الأمن الدولي. ومنح وزراء خارجية مجموعة الثمانية لأنفسهم مهلة لنقل المناقشات بخصوص هذه القضية إلى الأممالمتحدة للبت فيها ولمزيد من التشاور بهدف وقف الهجوم المضاد الذي شرعت فيه القوات الموالية للعقيد الليبي والتي تنذر بكارثة إنسانية في حال تواصله باتجاه مدينة بنغازي معقل المجلس الوطني الانتقالي. وحسب مصادر على صلة بهذا الاجتماع فإن فرنسا التي تبنت موقفا أكثر صرامة مع طرابلس وجدت نفسها وحيدة في الدفاع عن فكرة الحظر الجوي أو حتى على فكرة القيام بضربات عسكرية محدودة للحد من قوة الآلة العسكرية الليبية. وأكدت نفس المصادر أن باريس لم تلق السند اللازم من بريطانيا رغم أن لندن كانت وافقت على فكرة هذه الضربات بقناعة أنها الحل الأمثل لوقف سقوط المزيد من القتلى في ليبيا. واعترف وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبي بتأكيده ''انني لم أتمكن من إقناعهم'' في اشارة إلى وزراء خارجية الولاياتالمتحدة وروسيا واليابان وألمانيا وبريطانيا وايطاليا وكندا. وقال جوبي أن ''القذافي ما انفك يسجل نقاطا على ارض المعركة وهو يسير باتجاه السيطرة على بنغازي ونحن ليس بيدنا الوسائل العسكرية اللازمة لوقف زحفه على اعتبار أن المجموعة الدولية لم تتخذ قرارها لامتلاك هذه الوسائل''. والإشارة كانت واضحة باتجاه إشارة خضراء أممية من اجل منع إقلاع طائراته أو ضرب مدفعيته الثقيلة ومدرعاته التي تمكنت من حسم المعركة لصالح الوحدات الموالية للعقيد الليبي. وقال متأسفا انه ''لو أننا استخدمنا القوة العسكرية الأسبوع الماضي لتحييد بعض مدرجات مطاراته وعشرات طائراته فقد كان يمكن أن لا يحدث انقلاب الوضع الذي نعيشه الآن على حساب المعارضة التي وجدت نفسها عاجزة على الرد على اختلال القوة المسجل على ارض الواقع''. وبنظرة مغايرة قال وليام هوغ نظيره البريطاني أن مجموعة الثماني ليست الهيئة المخولة لاتخاذ قرارات عسكرية ضد ليبيا بينما أكد الوزير الألماني غيدو واسترويل التي توجد بلاده أيضا كعض وغير دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي انه يعارض حتى فكرة إقامة منطقة حظر جوي التي تسعى الدول الكبرى إلى فرضها بعد نقل المسألة إلى أمام مجلس الأمن الدولي. وقال مبررا موقف بلاده لكون مثل هذا الأمر قد يتحول إلى حرب ويضعف حركة الديمقراطية في منطقة شمال إفريقيا بينما أكد سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي على وجود قضايا أساسية يتعين حسمها قبل الدعوة إلى تصويت مجلس الأمن للتصويت على نص مشروع يبيح استعمال القوة . وبين هؤلاء جميعا بقيت هيلاري كلينتون تلتزم الحذر في الموقف الذي يمكن أن تتخذه الإدارة الأمريكية بخصوص تطورات الأوضاع في ليبيا واكتفت في لقاء مع احد أعضاء المجلس الوطني الانتقالي المعارض في ليبيا بالعاصمة باريس إلى استعداد واشنطن تقديم مساعدات سياسية واقتصادية للمعارضة الليبية. وقالت مصادر السفارة الأمريكية في باريس أن اللقاء تم مع محمود جبريل المكلف بالعلاقات الدولية في المجلس الانتقالي وقد رفضت كلينتون خلاله التعهد بتقديم مساعدات عسكرية للمعارضة. ويكون جبريل قد طالب الولاياتالمتحدة بمد المقاتلين الرافضين لنظام العقيد القذافي بأسلحة حتى يتمكنوا من صد الهجمات العسكرية الليبية. وفي نفس الوقت الذي يستمر الموقف الدولي منقسما أكدت مصادر من داخل ليبيا أن القوات الليبية قطعت الطريق بين بنغازي واجدابيا لمنع وصول أية إمدادات إلى هذه الأخيرة بعمليات قصف جوي في نفس الوقت الذي تمت قنبلة هذه المدينة تمهيدا لبسط سيطرتها عليها وهو ما أدى إلى مقتل خمسة مدنيين. وأكدت مصادر أن المئات من سكان المدينة بدأوا يتوافدون على مدينة بنغازي فرارا من المعارك التي بدأت في اجدابيا.