تنطلق اليوم بقاعة "ابن زيدون" برياض الفتح فعاليات تظاهرة "بانوراما سينما الجزائر عاصمة الثقافة العربية" وذلك بعد التأجيلات المتعدّدة التي عرفتها بسبب تأخّر انجاز الأعمال المبرمجة لاسيما فيلم " الحل الأخير" لرشيد بن علال، و"أرخبيل الرمال" لغوتي بن ددوش· التظاهرة ستكون مناسبة لتذكّر بأحد أعمدة الفن السابع في الجزائر وواحد من الرعيل الأول الذين احترفوا السينما ليصنعوا للجزائر ما بعد الاستقلال تاريخها الفني والجمالي ويصوّر ملامح المجتمع كما كان وكما يجب أن يكون لتظهر إلى الوجود أعمال ك "الفحّام" ،"الرفض"،"الإرث" و"الخطوة الأولى"··· ذلك هو المخرج الراحل محمد بوعماري· وإذا كان المختصون والباحثون في تاريخ السينما الجزائرية يعتبرون فيلم "عمر قتلاتو" لمرزاق علواش منعرجا حاسما في مسار هذه السينما، فإنّهم يعتبرون فيلم "الفحّام" الذي أخرجه الراحل بوعماري عام 1972 مرحلة انتقال هامة، من السينما الثورية التي استمرت لأكثر من عشر سنوات، الى تناولت الواقع المعيش وتستعرض مشاكل الدولة الفتية· بوعماري بفيلمه "الفحّام" الذي مثّل أوّل عمل طويل له، تجاوز شكل البطولات المثالية والتجانس الذي قدمته "سينما الثورة" ليعرض مشاكل الشعب اليومية والصراعات الطبقية التي كانت آنذاك بين الفلاحين والطبقة البورجوازية، كما ساند الخيارات السياسية والاقتصادية للدولة الفتية كالثورة الزراعية والصناعية وخروج المرأة إلى العمل، ليحصل على جائزة "التانيت الفضي" في الأيام السينمائية لقرطاج سنة 1972 وجائزة "جورج سادول في الأسبوع الدولي للنقد السينمائي الذي نظّم على هامش مهرجان "كان" عام 1973· في فيلمه الثاني "الإرث" الذي شاركته فيه زوجته الفنانة فطومة أوصليحة، لم يحد بوعماري عن نهجه الأول ليصوّر هذه المرة عودة الجزائريين اللاجئين في الحدود إلى أراضيهم بعد جلاء الاحتلال ليحاولوا إعادة بناء ما هدّمته الحرب لكنّهم يتعثّرون في ما خلّفه الاستعمار من مشاكل وتعقيدات على المستوى المادي والروحي (التخلّف، الجهل، الأمية، الألغام وصراع الطبقات··)، بعدها أخرج الراحل فيلمه"الخطوة الأولى" في 1979، وهو الفيلم الذي سيعرض أمسية اليوم بمناسبة تكريم الراحل بوعماري في بانوراما السينما الجزائرية· في هذا العمل يعود المخرج بشكل رئيسي لقضية المرأة وصراعها مع تقاليد المجتمع البالية من خلال قصة شابة تدعى جازية، ناجحة في الدراسة، والدها محافظ، يشعر بالعار لأنّ زوجته وابنته تعملان، فيقرّر أن يزوّج ابنته ···تبدأ المشاكل بين جازية وزوجها من أوّل ليلة، فالزوج يحمل تفكيرا ذكوريا سلطويا، وتعاني جازية من تعسّف الحماة والزوج فتتمرّد على الوضع ليكون جزاؤها الضرب ثم الطلاق ···لتدرّس في إحدى الابتدائيات حيث تسعى إلى تلقين الأطفال أبجديات التحرّر· بوعماري الذي تبنى قضية المرأة منذ البداية وصراعها مع التقاليد في شكل جريء وغير مسبوق لاسيما في فيلم "الفحّام"، قدّم عام 1982 "الرفض" الذي أثار جدلا كبيرا عند عرضه، وذلك قبل أن يغادر إلى فرنسا في 1994 وهناك أنجز فيلم" الليل" ليعود بمشروع فيلم "الخروف" في 1995 إلى الجزائر · فيلم "الخروف" الذي بقي عالقا بعد رحيل الفنان في ديسمبر 2006 رغم تعهّد زوجته فطومة بإتمام العمل، هو عودة لبوعماري إلى تاريخ الجزائر الثوري وماضيها المشترك مع فرنسا، حيث سعى من خلاله إلى تكريم المحكوم عليهم بالإعدام خلال الثورة من جزائريين وفرنسيين مساندين للقضية الجزائرية، وكان من المنتظر أن يشهد العمل الذي انطلق فيه المخرج فعليا قبل رحيله من خلال معاينة مواقع التصوير بأحد السجون الجزائرية، مشاركة العديد من الفنانين الفرنسيين والجزائريين على غرار دانيال بريفوست، اريك كونتونا، عزيز دقة وفوضيل··· ليبقى هذا العمل معلّقا حتى الآن بسبب غياب التمويل المالي، ولم يحظ حتى بدعم تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" التي يكرّم بوعماري اليوم في إطارها· يذكر أنّ "بانوراما السينما "التي تنطلق فعالياتها اليوم ابتداء من الخامسة مساء بقاعة "ابن زيدون" بحضور وزيرة الثقافة خليدة تومي تستمر إلى غاية 27 من الشهر الجاري، وستشهد عرض 20 فيلما طويلا و13 فيلما قصيرا و33 فيلما وثائقيا، كما ستشهد تنظيم أيام دراسية تتناول علاقة السينما بالتراث وراهن السينما في الجزائر