''الشمس'' تشرق على الجميع، لكنها تختلف في طلتها على كل واحد منا، حسب طريقة استقبالها وكيفية رؤية كل واحد لأشعتها وإحساسه، لكن في غياب دفئها قد تكون الابتسامة شمسا، وقد يكون الاهتمام بالآخرين شمسا، وقد يكون للعلم نورا يضاهي نور الشمس، وبالنسبة للطفل المريض، فإن الشمس قد تطلع من لفتة صغيرة جدا قد يهملها الكثيرون. وهكذا اختارت جمعية الفنون العلاجية اسم ''شمس'' من أجل تقريب وجهة نظرها في طريقة الاهتمام بالأطفال المرضى، لاسيما الراقدين في أسرّة المستشفيات، الذين يفارقون الأهل والأحبة والبيت والمدرسة بحثا عن صحة مفقودة، تكون في كثير من الأحيان السبب في فقدان الأمل. التقينا بالآنسة ''نبيلة مويسات'' إحدى عضوات هذه الجمعية على هامش صالون الطفولة الذي نظم بقصر المعارض في الصنوبر البحري، فكانت جد متحمسة للحديث عن كل النشاطات التي تقوم بها الجمعية، بهدف إدخال فرح ولو صغير على الأطفال المرضى دون إهمال الأطفال الأسوياء الذين تفضل أن تكون لهم علاقة ودية مع أقرانهم الذين يعانون من أمراض مختلفة منها السكري والسرطان والربو. تقول نبيلة ''إننا كجمعية نهتم بالأطفال المرضى والأسوياء معا، لأننا ننطلق من مبدإ ضرورة وضع جسور ود ومحبة بينهم حتى يتعلموا الطريقة المثلى لإقامة علاقات بعيدا عن أي أحكام مسبقة، وذلك يؤدي الى خروج الأطفال المرضى من عزلتهم، مهما كانت طبيعة مرضهم''. وإذا كانت الجمعية تستقبل في مقرها بالقبة الأطفال الراغبين في الالتحاق بها والاستفادة من كل النشاطات المبرمجة لاسيما المسرح والموسيقى، فإن أعضاء الجمعية من أطباء واختصاصيين نفسانيين يتوجهون إلى المستشفيات وبالذات مستشفى باينام، حيث لدى الجمعية وحدة تسلية خاصة بالأطفال، هؤلاء يخصص لهم لقاءان أسبوعيا مع برمجة أشغال يدوية، وورشات للرسم والموسيقى وقراءة القصص، فضلا عن المسرح الذي يتم على مستوى مقر الجمعية. وتلفت محدثتنا الانتباه إلى كون الكثير من الأطفال المرضى المتواجدين في المستشفيات، يبقون هناك مدة أشهر وفي بعض الأحيان أكثر من سنة، ولذا فإنهم بحاجة ماسة إلى مثل هذه الأنشطة التي تنسيهم مرضهم في غياب عائلتهم لاسيما إذا كانوا من ولايات بعيدة. كما لاتهمل الجمعية الجانب الدراسي لهم، وتوفر لهم أستاذا لتدريسهم حتى لاينسوا ما تعلموه، وحتى يتداركوا التأخر المسجل في مسارهم المدرسي... وهو عامل هام في تخليصهم من الشعور بعقدة النقص. وبالنسبة لنبيلة فإن الجمعية تسعى بالخصوص إلى إرجاع البسمة للأطفال المرضى، تقول ''نحاول أن نسليهم ونرجع البسمة لمحياهم، ونجعل من المستشفى مكانا حيا ينسيهم حالتهم''. ومن أهم إنجازات الجمعية تكوينها لمجموعة صوتية تتكون من أطفال وكبار، كلهم متطوعون في الجمعية من بينهم أطباء وطلبة، فضلا عن أطفال مرضى وأوليائهم وإخوتهم، وهو ما وصفته ب''الأمر الرائع''، مشيرة على سبيل المثال إلى بعض أعضاء الفرقة كالعم محمد البالغ من العمر 06 سنة، وريان ذي سبع السنوات وعبير التي أكملت عامها العاشر. وتعتمد جمعية ''شمس'' كذلك على تقنية الموسيقى كأسلوب لمرافقة الأطفال المرضى، وهي التقنية التي جاء بها رئيسها السيد جمال مراح الذي يعتبر أن إمساك الطفل بآلة موسيقية وتمكنه من العزف عليها يعني تغلبه على مرضه، وكذا استعادة مكانته في المجتمع كشخص عادي. وهنا تلاحظ نبيلة ''في مثل هذه الحالة قد نلتقي بطفل سوي يتساءل كيف لطفل مريض أن يعزف على الكمان وأنا السوي لا أتقن فعل ذلك؟ وهذا يزيد من ثقة الطفل المريض في نفسه ويشعر بمكانته في المجتمع''. وبافتخار شديد تحدثنا عن نماذج من أعضاء الجمعية الذين خاضوا مشوارا رائعا وانتقلوا من حال إلى آخر، من بينهم ''الياس جلوط'' الذي ينادونه ب ''ليسو'' وهو طفل مصاب بمرض التوحد الآن يبلغ من العمر 91 سنة، وأصبح هو قائد المجموعة الموسيقية والعازف على البيانو الذي بمجرد أن يستمع لمقطوعة موسيقية يعزفها بإتقان. عمر أو ''عميمر'' نموذج آخر، هو طفل مصاب بتأخر عقلي، كان منعزلا ومعقدا، لايتحدث مع أي كان، لكنه بانضمامه إلى الجمعية خرج من هذه الحالة، وأصبح أكثر مرحا ولم يعد يهاب الحديث مع الآخرين، وتجاوز كل العقد التي عانى منها طويلا. وتقر محدثتنا بأن ورشة المسرح تلعب دورا هاما في تعليم الأطفال التركيز وكذا إخراجهم من عزلتهم، إضافة إلى أنها وسيلة فعالة لإخراجهم من حالة الخجل، وعلاجهم من عقدهم، لاسيما إحساسهم بالنقص.