ثمة فكرة شائعة في وسط الرجال مفادها أن النساء ''ثرثارات''.. وهذه النظرة المشتركة تشير إلى اختلاف رؤية الجنسين حول الحديث، حيث أن المرأة تدافع عن نفسها بكون ذلك تفوقا على الجنس الآخر في مهارة الحديث.. وجاءت عدة دراسات في هذا الصدد لتنصف المرأة بتقديم تفسيرات علمية لكثرة كلامها مقارنة بالرجل، لكن هل يتفهم رجل اليوم هذه الطبيعة ويتجاوب معها على الأقل؟ أظهرت دراسة حديثة أن سبب تكلم المرأة أكثر من الرجل عائد لهرمون الأستروجين الذي يؤثر مباشرة على وصل جزئي للدماغ ودفع الخلايا العصبية إلى مزيد من الحركة والتواصل. وبحسب معدي الدراسة فإن الراحة العصبية لدماغ الرجل أكثر من المرأة، حيث تصل 70 بالمائة، أي هذه هي نسبة التوقف عن التفكير، بينما في دماغ المرأة تبلغ هذه النسبة 10 بالمائة، فتتابع المرأة مشوار التفكير بنسبة 90 بالمائة. أي دماغ المرأة لا يكف عن تحليل وتنسيق كل المعلومات الواردة إليه. وفي نفس السياق كشفت عدة دراسات جديدة أن النساء يتفوقن على الرجال في القدرة على تذكر المواقف العاطفية واستدعاء أشياء من الذاكرة يعجز الرجال عن تذكرها بسهولة خاصة اللحظات الحرجة المتعلقة بالوجدان والعاطفة. وبينت دراسة علمية أخرى حول تشريح ودراسة وظائف وتركيب الدماغ، أن الرجال أفضل من النساء في مواد الرياضيات والحساب وقيادة السيارات والمركبات. ويعود السبب في ذلك إلى القدرة على تقدير الوقت وضبط السرعة وتخيل الأجسام بأبعادها الثلاثية، وحل المشكلات الحسابية والمعادلات الرياضية، وربما هذا ما يفسر وجود أعداد أكثر من الرجال في مجالات الهندسة المعمارية والإلكترونية وعلوم الرياضيات وقيادة سيارات السباق والمركبات الكبيرة. بداية طرحت ''المساء'' السؤال على بعض الزوجات، وكانت الإجابة المشتركة هي أن الرجل لا يتجاوب مع طبيعة المرأة التي تميل إلى كثرة الحديث، وهذا ما يدفع بهن إلى البحث عن مصدر آخر للتنفيس. ومن ضمن هؤلاء السيدة ''سلوى'' التي تشير إلى أنه كلما انتابتها الرغبة في الحديث عن بعض الانشغالات تبحث عن طرف آخر غير زوجها لعلمها أنه لا يحب الإصغاء.. تقول ل ''المساء'': ''لا أجد تجاوبا من طرف زوجي في معظم الأحيان.. ففي الأيام الأولى من الزواج كان يوجه لي دوما ملاحظة مفادها ''أنا لا أحب التحدث كثيرا لاسيما في الفترة الصباحية''.. فكل الأحاديث النسوية تقريبا يصنفها في خانة ''الكلام الفارغ''، خاصة عندما تدور حول أشغال المنزل، حكايات الجيران وبعض تفاصيل الحياة اليومية." وتتابع المتحدثة: ''كثيرا ما يرد علي بالقول ''هذا الموضوع ليس مهما.. أو ليس وقته''، مما يخلّف لدي الشعور بالإحباط، لاسيما حينما يكون رد فعله ممثلا في الصمت، فالرجل يدرك طبيعة المرأة التي تميل إلى كثرة الحديث، لكنه يتجاهلها تهربا من التجاوب." ومن جانبها ترى السيدة ''عفيفة'' أن عامة الرجال يتبنون الفهم الخاطئ لمقولة: ''النساء ناقصات عقل ودين''، وعلى هذا الأساس يفسرون كثرة حديث المرأة بنقص العقل، في حين أن معنى هذه المقولة لا يمت بصلة لهذا الاعتقاد.. وتذكر: ''التأفف هو غالبا عنوان عدم تجاوب الرجل مع رغبة المرأة في الحديث، حيث يرى في ذلك وجعا للرأس، غير أنه في المقابل يسمح لنفسه بالحديث طويلا ويغضب كثيرا عندما لا يلمس استجابة، مما يعني أن عدم تجاوبه تجاهل مقصود." والمشكلة التي تبرز في إطار هذا الموضوع هو أن رغبة المرأة في الحديث عن كافة التفاصيل التي تدور في رأسها تدفع بالرجل للانزعاج، فيفضل الصمت أو الانسحاب بتعاليق ساخرة تسبب القلق للمرأة كونها ترى في ذلك لامبالاة وعدم تقدير لأهمية حديثها.. هكذا يبدو الأمر بالنسبة للسيدة ''زينة''. توضح: ''في ما عدا الاهتمامات المشتركة التي ترتبط بميزانية البيت أو تربية الأبناء يكون الصمت هو رد فعل زوجي.. أما إذا كان هناك رد فعل فهو لا يخرج عن نطاق التعاليق الساخرة حتى يكمم فمي.. فكل الأمور غير مهمة بالنسبة له تقريبا، وهذا إجحاف في حق المرأة التي لا تجد التجاوب مع طبيعتها المختلفة عن الرجل." وتتساءل السيدة ''زينة'' لماذا لا يفهم الرجال أن كثرة حديث المرأة حالة حميمية لا تمارسها إلا مع المقربين والزوج؟ ولم لا ينظر الرجال إلى الجانب الإيجابي الذي يجعل من كثرة حديث المرأة عاملا مهما في تقوية التواصل بين الزوجين بدل مطاردتها بلقب ثرثارة؟ لافتة إلى الانعكاسات السلبية التي تنجم عن ذلك والتي ليس أقلها سد قنوات الاتصال وتعريض الحياة الزوجية للجفاء. وفي محاولة لكشف النقاب عن آراء بعض الرجال بهذا الخصوص سألت ''المساء'' السيد السيد ''سليم'' (موظف) والذي يقر بأنه يتجاوب مع حكايات زوجته حتى إن طالت.. ويوضح أن هذه القدرة على الإصغاء اكتسبها بحكم التجربة التي أظهرت له بأن المرأة تحب الحديث عن كافة تفاصيل الحياة اليومية.. لكن هذا لا يمنعه عن توقيفها عندما يكون الموضوع غير مهم أو يحمل بين طياته غيبة في حق الغير. أما السيد ''عامر'' (مثقف) فيجيب بأنه وبحكم ملاحظاته، فإن عامة الرجال يدركون حقيقة أن المرأة تتميز بحب كثرة الحديث مقارنة بالرجل، لكن المشكل يكمن في عدم رغبة بعض الرجال في التجاوب مع هذه الطبيعة النسوية، الأمر الذي يحدث صدامية بين العديد من الأزواج.. فهناك أوقات ووضعيات لا يتقبل الرجل خلالها الاستجابة لرغبة الزوجة في محادثته، مما قد يدفعه إلى التصرف بعدوانية، وخلاصة القول بحسب محدثنا هي أن العديد من الأزواج يفتقرون إلى خاصية ''قبول الآخر''، فلكل جنس خصوصياته ومن خصوصيات المرأة أنها تكثر الحديث، ولذلك فإن على الرجل أن يضع في اعتباره أنه عندما يتقبل هذه الميزة الطبيعية، فإنه يتقبل أمرا طبيعيا سنه الخالق. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدراسات الحديثة توصلت أيضا إلى أن المرأة تتكلم أكثر مما تسمع، بينما الرجل يسمع أكثر مما يتكلم. فالمرأة تتكلم تقريباً 14000 كلمة في اليوم، بينما الرجل يتكلم 8000 كلمة في اليوم. وأبرزت أن الرجل يحتاج إلى وقت أكثر من المرأة حتى يجمع عواطفه ويخرجها، فالرجل عندما يتكلم عن العاطفة لابد من الانتقال من الأيسر إلى الأيمن عبر الصمام وينسق الكلام، ليقول عما في خاطره لذلك يحتاج لوقت، وبموجب ذلك يتحتم على الزوجة فهم طريقة تفكير الزوج ومعرفة نفسيته لإدراك مدى عاطفته، حتى لا تتسرع باتهامه بأنه عديم الإحساس. والمهم في المسألة عموما هو أن يتعرف كل طرف على طريقة الآخر في الحديث والإصغاء كي ينشأ بينهما حيز من التفهم والتواصل حتى لا يؤخذ ما يصدر منهما من سلوكات تعبر عن الخصوصية التي تطبعهما كنقيصة تفسر بعدم الاهتمام أو التجاوب مع الآخر.