"إلى كلّ الذين صارعوا ظلمات اليأس الرهيبة وسمحوا للحلم أن يتجدّد فوق أرض الجزائر الحبيبة"، أهدى القاص س· الحسين "الأرواح المعذبة"، القصة التي تروي بصدق عذابات وآهات الأبرياء في مهب الظلم والعنف·
الإحتراق، الألم، المعاناة، الظلم والحفرة وبصيص من شعاع الأمل العسجدي، كلها أركان أساسية وهامة صنعت التركيبة المتكاملة لقصة "الأرواح المعذبة" التي تربعت على 85 صفحة من الحيّز الذي أراده القاص فضاء للتعبير عن معاناة الإنسان وعن ظروف القهر والظلم التي ألمت بالكثيرين ممن عانوا من الإرهاب وهمجيته خلال العشرية الحمراء التي عصفت بالوطن، حيث يظهر حكيم البطل الرئيسي للقصة معصوب العينين يوم تخرجه من كلية الطب وقبل اكتمال فرحته بلقب "طبيب جراح" يجد نفسه محاصرا من قبل شخصين يرغمانه على ركوب سيارة تحت تهديد السلاح، لتبدأ رحلة العذاب والخوف بتسلسل منطقي تطبعه الحبكة الفنية المشبعة بعنصر التشويق، حيث يصل حكيم إلى المعسكر الذي اقتيد إليه عنوة، فيجد ضحايا المأساة ومن بينهم زهرة صاحبة العشرين ربيعا التي اختطفت بعد مقتل والدها الصحفي في كمين·· وبمرارة كبيرة تطلعه على السر الذي يؤرقها وهو كونها حاملا في الشهر الأول· ونلمس في الوظيفة التأملية للصور التي رسمها القاص، انسانية حكيم التي جعلته شخصا محبوبا ومقربا من المظلومين والمخطوفين مثله، والذين يقاسمهم غذابهم ويعمل على التخفيف من معاناتهم وتخليصهم من الجحيم الذي يعيشونه· الرمزية أيضا، كانت حاضرة بقوة، حيث استعمل القاص شخصية حكيم الشاب المقبل على الحياة، والذي وهب نفسه منذ البداية للعمل النبيل الصعب وهو الجراحة، ليجد نفسه ضحية تعاني الأمرين لإنقاذ ذاتها، وتظهر في قلب الأحداث - زهرة - الشابة التي يرمز إسمها الى الربيع والإزدهار والسلام، معذبة·· حزينة·· تشكو الظلم والألم والاغتصاب والسفاح أيضا·· كما يجد حكيم في نفس المعتقل الكثير من الشباب والاطفال وكلهم ضحايا أعمال لا مسؤولية لهم فيها· الألوان أيضا كانت مختلفة في القصة، حيث يطغى الابيض والأسود على مساحة القصة ويتخللهما لون ثالث هو الاصفر الفاقع وهو لون الشمس الذي رمز من خلاله س·الحسين الى بصيص الأمل الذي يجب التشبث به لطلوع شمس السلام والأمان، اللون الأحمر أيضا كان موجودا وهو للدلالة على الدماء والموت· ولأنه لكل بداية نهاية·· اختار القاص أن تكون النهاية سعيدة مشبّعة بالأمل، فحب الناس -المسجونين في المعتقل- تحكيم يجعلهم يساعدونه على الهروب، وهو الأمر الذي سهل عملية اطلاق سراح الاطفال والنساء الذين كانوا يقبعون في المعتقل منذ مدة طويلة· ويؤكد "س· الحسين"، صاحب القصة ل "المساء"، على أن "الأرواح المعذّبة" محاولة لإبراز معاناة الإنسان ورصد لأحزانه وطموحاته وتطلعاته وتورطه في أمور لا دخل له فيها·· مثل الدخول في متاهات الحروب التي تحصد أرواح الابرياء بغض النظر عن الاسباب والدوافع· القاص "س·الحسين"، من مواليد 1954 ومن خريجي المدرسة العليا للصحافة، حائز على ماجستير في علوم الاعلام والاتصال ودرس بجامعة أميان الفرنسية، هو حاليا موظف سام وأستاذ بجامعة الجزائر·