اهتمام السيدة حورية أحسن جاب الله، أستاذة التعليم العالي ومختصة في علم النفس العلاجي للطفل، وأهمية أن يكون هنالك أخصائيون عياديون مكونين تكوينا جيدا لفهم الاضطرابات التي قد تحدث له خلال مراحل نموه، قد دفع هذه الأخصائية إلى ترجمة بعض الكتب التي تعتبر من الدراسات القليلة المتخصصة الصادرة باللغة العربية في مجال علم النفس، وقالت في هذا الصدد إن المنتج العلمي ينبغي أن يكون باللغة العربية، لمساعدة الدارسين والأولياء والمتخصصين العيادين في مجال التكفل النفسي بالطفل الذي يعتبر أمانة لابد من الحفاظ عليها. في بداية محاضرتها التي جاءت تحت عنوان ''أهمية التكفل النفسي بالطفل في مختلف مراحل نموه'' التي ألقتها مؤخرا بثانوية زينب أم المساكين بالعاصمة، دعت الأستاذة حورية أحسن إلى ضرورة وجود مراجع باللغة العربية يُستند إليها الممارس في أي مجال، لذا، قالت: ''كان من واجبي إصدار مراجع باللغة العربية لمساعدة المعنيين بعالم الطفل على فهم ما قد يحدث له خلال مراحل نموه''. وقسمت الأستاذة حورية محاضرتها إلى عدة محاور من بينها؛ محور خاص بضرورة توصيل المعارف باللغة العربية، وقالت في هذا الخصوص إن عملية النمو تمر بسلسلة من المراحل، وأن كل مرحلة تُبنى على أساس المرحلة السابقة، وفي هذه العملية بالذات، ينبغي أخذ حاجات الطفل في الاعتبار، لأن لكل مرحلة خصوصية في ظل وجود مراحل خارجية إجتماعية وبيئية، وعوامل داخلية نفسية وبيولوجية تؤثر على تكوين الطفل. وحتى يكون المختص العيادي على علم بما ينبغي أن تكون المراجع التي استقى منها تكوّنه باللغة التي يفهمها، لذا تظهر الحاجة إلى أن تكون مصادر المعرفة باللغة العربية حتى لا نغفل أي طارئ يمكن أن يحدث خلال مراحل نمو الطفل المختلفة، وتكون العوامل المؤثرة في النمو واضحة ومفهومة. وبعد أن انتقلت الأستاذة المحاضرة إلى المحور الثاني الذي عنونته باسم ''حرية الطفل بين الموروث والمكتسب''، قالت في هذا الخصوص: ''إن المقصود بالموروث هو المادة الخام التي ينطلق منها الطفل خلال مراحل نموه، أما المقصود بالمكسب، فهي الأدوات والتقنيات والمناهج المتوفرة بالبيئة أو المجتمع الذي ينتمي إليه، ولأن للحرية حدودا- تضيف المتحدثة- ونقصد بها الحدود البيئية والاجتماعية، فإن الطفل لا يمكن أن يحصل على ما هو غير متوفر في بيئته، من هنا يبدأ دور الأسرة والمختص النفساني لمعرفة ما إذا كان لضرورة وجود هذه الوسائل الغائبة تأثير على نمو الطفل، لأن الطفل بمثابة النحاة أو البناء، إذ لا يستطيع أن يقوم بعمله في ظل غياب الأدوات. ولحسن الحظ، تضيف المحاضرة أن الجهاز العصبي للطفل الذي يتلقى الأوامر، لديه القدرة على الاختيار يبن ما يحتاجه، وترك ما يعتقد أنه غير مهم، ولأن الطفل خلال مراحل نموه يبدأ في عملية التعلم، كان لابد من متابعته، لأن عملية نمو الطفل تمر بمراحل حرجة تبدأ بعد الولادة، وتستمر خلال فترة نموه. فإن وجدت بعض المؤشرات خلال فترة النمو، لابد من التدخل بسرعة لأن عملية التكفل بالطفل خلال المراحل الأولى من عمره تكون سهلة، ولكن إن حدث وتم تجاوز المؤشر للجهل بحالة الطفل يكون من الصعب تدارك الأمر، وعوض أن يكون دور الأسرة أو المختص العيادي هو البناء يتحول إلى دور المصلح، ولكن إن دخل الطفل مرحلة المراهقة التي يصطلح على تسميتها بمرحلة آخر فرصة، يكون فيها التصحيح مسألة تحتاج إلى مختص نفساني لديه تكوين ميداني جيد ليتمكن من القيام بعملية التصحيح، ليعيدنا الحديث في هذا المجال إلى ضرورة التكوين الميداني الجيد من المراجع المعربة''. من ناحية أخرى، قالت الأساتذة حورية أحسن إن الجهاز العصبي للطفل في بداية نموه يتميز بخاصية الليونة، وبالتالي تكون عملية البناء ناجحة قبل ثلاث سنوات عند ظهور أي مؤشر على سلوك الطفل بنسبة 80 بالمائة، لتبدأ هذه النسبة بالتراجع كلما كبر الطفل، فمثلا في سن 6 سنوات، تكون إمكانية النجاح في عملية البناء بعد ظهور الاضطراب في حدود 60 بالمائة. أما إن دخل الطفل مرحلة النضج العصبي وبلغ سن 16 سنة، يكون من الصعب القيام بعملية البناء على المختص العيادي، فتبدأ عملية التصحيح. وتكمن أهمية تدخل المختص العيادي النفساني المكون تكوينا ميدانيا جيدا -حسب ذات المصدر- في تأمين الوقاية الأولية للطفل، كما ينبغي في هذا الخصوص التأكيد على أن وجود مختص نفساني ليس بالضرورة دلالة على أن الطفل مضطرب، ولكن لأن هذا الأخير الأقدر على تأمين الوقاية اللازمة لحمايته، مما قد يحصل له من الناحية النفسية، كأن تحدث كارثة طبيعية مثلا فقد لا يظهر أي سلوك على الطفل، ولكنه في واقع الأمر بحاجة للمتابعة النفسية. ولأن التكفل النفسي بالطفل يتطلب أيضا القدرة على التمييز بين الطفل العادي والطفل المريض، وعليه تسأل المحاضرة: كيف يمكن للعيادي النفساني أن يميز إذا كان يفتقر لمراجع تمكنه من تقيم حالة الطفل النفسية خلال مراحل نموه المختلفة؟. وجاء على لسان المختصة أن الأولياء، غالبا، لا يعترفون بالاضطراب الحاصل في سلوك أطفالهم ويترددون كثرا للإفصاح عنه، ويحاول الأولياء في كل مرة تفادي الأمر، لذا كان لابد من أجل حماية الطفل مشاركة الأسرة. ولأن الأسرة هي التي تسمح بتربية الطفل وإعطائه الحدود التي يجب له احترامها، والتي تساعده في تنمية مهاراته، كان من المهم أيضا -تقول المتحدثة- ''تكوين المدرسين في جميع أطوار التعليم، ليتمكنوا من توجيه الأطفال إلى المختصين النفسانيين عند ظهور العلامات الأولى، وعدم إهمال المؤشرات الدالة على وجود اضطراب، تضيف، ''أصبح من الضروري تكوين حتى المعلمين في مجال علم النفس، إلى جانب تكوين متخصصين ممارسين عياديين وهذا لا يتحقق في ظل قلة المراجع باللغة العربية التي أصبحت حتمية لإنجاح المتابعة النفسية''. وفي ختام محاضرتها، وصفت الأستاذة حورية تربية الأبناء اليوم بالمهنة المعقدة وقالت: ''الأولياء اليوم بحاجة ماسة إلى المختص أو المرشد النفساني، لأن التكفل النفسي بالطفل تحول إلى مهمة مصيرية يتوقف عليها مستقبل المجتمع''.