"هو جزائري متوسّط، كمثل الملايين الذين يشبههم، كما يقول، غير أنّه في أعماقه لم يكن يقرّ أنّ هذه حقيقته، فقناعته، أنّه لا شبيه له، ليس لأنّه يتفوّق على غيره، بل لأنّه مختلف، له أحلامه وإعجابه، وجنونه الذي يميّزه وحده"··هو ذا الحوّاس الذي قدّمه الأديب الجزائري حميد قرين في "الصلاة الأخيرة" التي صدرت الترجمة العربية له ضمن سلسلة "فسيفساء" عن دار النشر "سيديا"· "الصلاة الأخيرة" قصّة غير عادية لجزائري عاد··حكاية حوّاس الكائن البشري في مختلف المعاني، إذ يجسّد كلّ العيوب وكذا كلّ صفات الرجل··"هو الليبرالي الذي يتنازعه الإيمان والشبق··حوّاس عاشق الصلاة، النبي الذي ينهل من مناهل أخرى غير مباحة وغير مشروعة، فعنده ليس من لذّة غير مسموح بها،ممزّق ومتشعّب ومركّب يقاوم على طريقته كلّ الأصوليات في تلك الجزائر التي تنغرز في العتمة وفي الليل، في سعيه وراء الحقيقة، حاول أن يرفع زاوية النقاب الأسود"· "حوّاس" حميد قرين من الجزائريين الذين عايشوا سنوات الدم والدموع، فهو من أولئك الإنسانيين لما للكلمة من ثقل، لكن بالمقابل هو صاحب طبع خاص مزيج من الصوفية والشاعرية حيث كتب قرين:"لمّا اكتشف حوّاس بلذة مشوبة بالحيرة والارتباك قصيدة لجلال الدين الرومي، راح يصغي إليها بلذة أكبر ما أن بلغ إلى الأبيات الأجمل في ديوان شاعر النسك الأكبر، أغمض عينيه وراح يهمس مع الرجل بنغم أحادي تام ، الأبيات الأخيرة التي اطمأنت إليها روحه: عاش رجل اللّه موفور الكرامة، رجل اللّه محتجب يا شمس الدين، قم، ابحث عن رجل اللّه، وجده بنفسك"· بطل رواية "الصلاة الأخيرة" حمل تناقضات قيمية عديدة، فحوّاس من جهة يحبّ معاشرة النساء، ومن جهة أخرى يظهر على أنّه محافظ··هو تجسيد للخير والشر، وبكلّ بساطة، إنسان جزائري مائة بالمائة، فهو غامض الشخصية، المزاج والاهتمامات··هو في عبارة واحدة "يشرب الخمر، يزني، يصلي ويحبّ الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ويقدّس اللّه"··حوّاس الصحفي يبحث عن الغريب والخارق· الرواية الخيالية المستوحاة من الواقع تصوّر ملامح شخصية الحوّاس، الإنسان التائه بين الواجبات الدينية والدنيوية والحامل للكثير من الطفولة، حوّاس الذي يوجد الملايين منه في المجتمع الجزائري ينفصل عن زوجته حوّاء الشيوعية التي ترى أنّ الإسلام جاء ليقوّي الرجل ويقيّد تصرّفات المرأة، وتطلب الطلاق ليلة عيد ميلاده لأنّه عاقر خاصة بعد أن بردت مشاعرها اتجاهه، لكن حوّاس يعتبرها إهانة له لأنّه من حقّه هو أن يهجرها لا العكس، فينتقم على طريقته بأن يقرّر عدم خوض تجارب جدية بل الاستمتاع وكفى وتكون رفيقات لياليه من المتزوّجات اللواتي يشكين عدم اهتمام أزواجهن ويجد في ذلك حلاّ مناسبا لأنّه لن يكون مضطرا للزواج من متزوّجة· وتتوالى مجريات الرواية ليدخل حوّاس منعطفات متشعّبة ويعيش مواقف عديدة تزيد من تناقضاته إلى أن يلتقي بزعيم حزب الأمّة الإسلامية، ويحمل هذا اللقاء العديد من المفاجآت على مختلف الأصعدة، ويرصد الكثير من الآراء ووجهات النظر، فحميد قرين الذي يرفع شعار "أكتب مؤلّفات موجّهة لجميع الجزائريين قدّم في أوّل عمل روائي له وترجمته إلى العربية ميرنا صعب، قدّم في "الصلاة الأخيرة" هواجس، ذكريات حوّاس الصحفي الديمقراطي الذي يعيش كالإلكترون الحر دون أيّ رابط حزبي أو إيديولوجي، وهو ما يجعله ملاحظا محايدا لمجتمع يمرّ بذروة الأزمة ··مجتمع يعرف جميع التناقضات· ولقد حظيت رواية "الصلاة الأخيرة" للكاتب الصحفي حميد قرين صاحب "الريشة الذهبية للصحافة الجزائرية" بترجمة إلى اللغة الروسية، وقد سبق له أن أصدر عدّة عناوين مثل لخضر بلومي ووفاق سطيف أسطورة الانبعاث الثاني ومثل الظلال الهاربة وتعاليق حول الانتخابات الرئاسية 4002، وقد احتلت رواية "الصلاة الأخيرة" صدارة المبيعات في الجزائر، وصدرت له مؤخّرا رواية جديدة تحمل عنوان "ليلة الحنة" عن منشورات "ألفا" . *