شدّد نواب المجلس الشعبي الوطني أمس على وجوب إضفاء شفافية أكثر على عمل الحركة الجمعوية وتنظيم نشاطها وتفعيله من خلال تسهيل عملية اعتمادها من جهة، ومراقبة مصادر تمويلها وحمايتها من تأثيرات الجهات السياسية والأطراف الأجنبية من جهة أخرى. وقد التقت غالبية تدخلات النواب خلال جلسة مناقشة مشروع القانون المتعلق بالجمعيات، في رسم صورة قاتمة عن وضعية الحركة الجمعوية، حيث وصف البعض نشاطها بالموسمي والمناسباتي، وأشار البعض الآخر إلى استغلال بعض الأطراف للثغرات القانونية الموجودة في قانون ,1990 لتحويل العمل الجمعوي إلى أهداف تخدم المصلحة الخاصة، فيما حذر متدخلون من استغلال جهات خارجية لتلك الجمعيات لخدمة أغراض وأطماع سياسية وتدبير مؤامرات ضد المصلحة العليا للبلاد. وفي هذا الإطار، لخّص السيد عبد الحميد سي عفيف النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني واقع الحركة الجمعوية في بلادنا بقوله ''هناك جمعيات مفيدة وأخرى مستفيدة''، مثمنا الإجراءات الجديدة التي تم إدخالها على مشروع القانون محل النقاش والتي تهدف إلى وضع حد لسوء تسيير نشاط الجمعيات ومواردها المالية وتفرض الصرامة في مراقبتها، بينما أشار النائب عن حزب العمال رمضان تعزيبت إلى وجود نوايا خبيثة لدى أطراف أجنبية لاستغلال بعض الجمعيات، من أجل ضرب السيادة الوطنية والمساس بالهوية الجزائرية، ولا سيما من خلال تحريض تلك الجمعيات على نشر أفكار انفصالية أو إيديولوجيات غريبة عن مبادئ الجزائريين، داعيا بالمناسبة إلى ضرورة مراقبة التمويل الأجنبي للجمعيات، وفي المقابل تحسين عملية تمويل الدولة لها حتى تجنبها اللجوء إلى موارد مشبوهة. وفيما اعتبر المتحدث بأن تجربة الحركة الجمعوية في الجزائر لم تفشل وإنما تراجعت فقط خلال العشرية السوداء التي عاشتها البلاد، أوضح بأن الديمقراطية التشاركية التي ترتقي بارتقاء عمل جمعيات المجتمع المدني تستدعي عدم الخلط بين دور الجمعيات ودور الأحزاب السياسية من جهة ودورها ودور الدولة من جهة أخرى. من جانب آخر، نوه المتدخلون من حزب جبهة التحرير الوطني بما تضمنه مشروع قانون الجمعيات من إجراءات تخفف من ثقل عملية إنشاء الجمعيات وتضفي مزيدا من الشفافية على تمويلها، بينما لم يستسغ بعض النواب من حركة مجتمع السلم بعض الإجراءات التي تضمن للإدارة حق مراقبة عملية تأسيس الجمعيات واعتبروها عائقا أمام حرية نشاطها. من جهته؛ ركز النائب عن التجمع الوطني الديمقراطي أحمد قطيش على وجوب فرض رقابة شديدة على الجمعيات الاجنبية التي يرخص لها بالعمل في الجزائر، ووضع ضوابط دقيقة ومحددة لنشاطها حتى لا يسمح لها بالتدخل في المسائل السيادية للبلاد. وكانت جلسة مناقشة نواب المجلس الشعبي الوطني لمشروع القانون العضوي المتعلق بالجمعيات قد استهلت بعرض وزير الداخلية والجماعات المحلية، السيد دحو ولد قابلية، للمحاور الكبرى والأهداف الرئيسية للنص، مشيرا في هذا الصدد إلى أن المشروع تم الإعداد له انطلاقا من الانشغالات والتطلعات المعبر عنها من قبل الجمعيات خلال جلسات المشاورات الوطنية، حيث تم التأكيد على جملة من المسائل على غرار ثقل الإجراءات المتعلقة بالحصول على الاعتماد وكذا خضوع النشاطات لتصريح مسبق وعدم الاعتراف بصفتها كوسيط وشريك بين المواطن والسلطات المحلية إلى جانب ضعف الوسائل المادية والموارد المالية. كما اعتبر الوزير مشروع القانون محل المناقشة محطة هامة في مسار الإصلاحات العميقة التي أقرها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، مشيرا في سياق متصل إلى أن إعداد هذا المشروع خضع لنفس المبادئ التي تم اعتمادها في إعداد القوانين الأخرى المتعلقة بنظام الانتخابات والأحزاب السياسية وكذا القانون المتعلق بالبلدية الذي كرس، حسبه، مبدأ الديمقراطية الجوارية والتشاركية، بإبرازه لأهمية استشارة المجتمع المدني في تسيير الشؤون العامة والتكفل بانشغالات المواطنين على المستوى المحلي. ولدى تطرقه لواقع الحركة الجمعوية في الجزائر، سجل السيد ولد قابلية بأن جمعيات المجتمع المدني استطاعت رغم الصعوبات التي اعترضتها أن تعطي للحياة الجمعوية معنى ووثبة لا يمكن إنكارها. وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون العضوي المتعلق بالجمعيات يكرس لأول مرة اللامركزية في اعتماد الجمعيات من خلال تخويله لرئيس البلدية صلاحية منح الاعتماد للجمعيات البلدية، كما يخضع النص الإعانات العمومية الممنوحة لكل جمعية إلى إبرام عقد برنامج، مع تقديم حالة صرف الإعانات الممنوحة، ويمنع أية جمعية من الحصول على أموال ترد إليها من تنظيمات أجنبية.