يستعين الفنان التشكيلي الشاب محمد جووا بلغة الحوار البصري لإيصال أفكاره وقناعاته إلى الجمهور، متعمقا في الميتافيزيقا التي يلجأ إليها لعبور الآفاق المحدودة بحرية تامة، والمعرض الذي سيستمر إلى غاية 26 فيفري الجاري عبارة عن نظرة فلسفية، مجردة لواقع ملموس. يضم المعرض 26 لوحة بعناوين مختلفة تكشف مضمونها الذي قد يغيب عن الجمهور؛ فاللوحة ليست دائما عند محمد سرا مكشوفا. لا يرسم محمد لمجرد الرسم، بل إن هذا الفن الراقي الذي عرفته الإنسانية منذ بداياتها هو بمثابة تنفيس وانعكاس لما يجري داخل النفس البشرية من أفراح وآلام واضطرابات وانفعالات، والرسم مثله مثل الشعر والغناء والموسيقى مجال واسع وصادق للتعبير قادر على أن يكون أيضا مجالا مشتركا مع الآخر، خاصة إذا ما تم حسن اختيار الوسائل لذلك والتي تساعد على تدعيم التواصل والحوار مع الجمهور كالشكل واللون والايقاع والحركة. معرض محمد جووا عالم من الجمال والانسجام الكامل بين الإنسان والفن، والحرية المطلقة فيه للخيال وحده ليأتي التجسيد (الرسم) فيما بعد. يتقيد جووا في هذا المعرض بالمدرسة التجريدية، وقد اختارها عمدا كي تعكس نظرته الخاصة للفن وبكونه علاجا؛ فالفن ما هو إلا وسيلة علاج وجعل هذا الفنان من هذه النظرية شعارا له. تمتاز لوحات الفنان الست والعشرين بكونها تحمل نفس الحياة الذي ينفجر في أشكال هندسية وخطوط متوازية أو متقاطعة وملتوية وبأطياف متعددة. يؤمن الفنان بالربيع الذي يولد من عتمة الشتاء لذلك تطل من لوحاته أشعة الشمس المذهبة ونور السماء اللامع لينتهي الكون عنده في لوحته التجريدية التي لا تقبل الحدود ولا الأطر، وما كل لوحة إلا لقطة من الحياة ومرآة تعكس جذور الحياة والطبيعة. عبر الألوان المتدرجة تمر الأزمنة المتعاقبة وصولا إلى لوحة »الزمن الحر«. لوحات أخرى تعكس الأحاسيس والانفعالات وتطرح مشاكل نفسية ومكبوتات ومشاكل موجودة على أرض الواقع، بعضها الآخر يعكس تطور الفن المعاصر ومدى الاحترافية التي حققها من خلال الأشكال والتقنيات المختلفة. كل لوحات جووا ''حنين''، ''إحساس''، ''إعصار''، ''الحديقة''، ''سر الطبيعة''، ''ردود الفعل''، ''الزمن الحر''، ''تكريم المعوق'' و''إغراء'' وغيرها تمتاز بالحركية والحياة والانفعالات التي تظهر وكأنها تحرك وتنشط قماش اللوحة مع وجود بصمات الانطباعية في بعض أركان اللوحات. الفنان دائم الاستغلال لظاهرة الزمان والمكان ويحاول توظيفها فيما يعرف عنده ب''الفن العلاجي''، تمتاز حركة ريشته بالخفة والابتعاد عن الألوان المركبة الغامضة، يعمد إلى الأزرق والأخضر المصفر، والأصفر والأبيض وأحيانا الأحمر الداكن. للإشارة؛ فإن حمد جووا من مواليد 29 سبتمبر 1974 بمدينة حجوط بتيبازة ومتخرج من المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بمستغانم ووهران ومتحصل على ديبلوم الدراسات الفنية العامة. ينظم جووا معارضه منذ سنة ,1993 إضافة إلى إنجازاته لبعض المعالم التاريخية بتيبازة والعاصمة وكذا بروزه في مجال الديكور. يأمل هذا الفنان في أن يتعمق في دراساته وبحوثه في ''الفن العلاجي'' لأنه لا يزال محتشما عندنا ويجب النهوض به ونشره وتقريبه للجمهور، إضافة إلى حلمه بأن يتمكن من اقتناء ورشة كبيرة ينجز بها لوحات كبيرة أو عملاقة لم لا ، كي يفجر مواهبه أكثر عوض التقيد بالمساحة التي يرسم فيها الآن بمنزله العائلي.