افتتحت، أمس بفندق الشيراطون، فعاليات الملتقى الدولي حول ''الإصلاح والاجتهاد عند علماء الإسلام بين الماضي والحاضر''، الذي ينظمه المجلس الإسلامي الأعلى إلى غاية يوم غد الأربعاء.وحضر أشغال الملتقى جمع من الأساتذة والخبراء من 20 دولة إضافة إلى حضور الجامعات الجزائرية للملتقى الذي يحتضن أيضا ورشات عمل خاصة بمواضيع تدخل في إطار العنوان العام للملتقى. بعد الكلمة الترحيبية للشيخ بوعمران، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، انطلقت أشغال الجلسة الصباحية الأولى برئاسة الدكتور محمد شريف قاهر، وأول مداخلة كانت للتونسي محمد العربي بوعزيزة، الذي تحدث عن ظاهرة الاجتهاد والإصلاح والتي تخص القضايا المستجدة ومواكبة العصر والربط الحكيم بين التراث والحداثة مع التركيز على الإصلاح الذي يعني التغيير واعتماد وضع مغاير لوضع أفضل يستفيد منه المسلمون. وذكر المحاضر أسماء لبعض رواد الإصلاح كالأفغاني ومحمد عبده، خير الدين التونسي، ابن باديس، علال الفاسي وغيرهم كثير، كل هؤلاء انطلقت حركة الإصلاح عندهم من أقطارهم ذلك أنهم أعلم بواقع مجتمعاتهم وطبعا فإن حركتهم جلبت لهم الحرب ضد كل ما نادوا به من إصلاح، خاصة من طرف الاستعمار، لكن أغلب هؤلاء تحققت مشاريعهم مع حركات الاستقلال التي شهدها العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية. وتطرق هؤلاء المصلحون إلى كل جوانب الحياة من تعليم وسياسة واقتصاد، وقضية المرأة وغيرها، علما أن كل مصلح تميز بميله لقضية أكثر من غيرها كالأفغاني الذي مال إلى الجانب السياسي والثورة في التغيير، ومحمد عبده الذي اعتمد على الإصلاح الديني والتربوي، والكواكبي على الإصلاح السياسي وابن باديس على المقاومة الثقافية. وتوقف المحاضر عند شخصية المصلح الكبير محمد إقبال الشاعر والفيلسوف والسياسي والزعيم الذي أصبح جزءا من التراث الفكري العالمي الذي اشتهر ب ''نظرية الذات'' التي ترجمت إلى لغات العالم لأنها تتعلق بتكوين الإنسان، كذلك الحال مع دواوينه التي تحمل استراتيجيات إصلاح رائد منها ''ضرب الكريم''، ''جناح جبريل'' و''هدية الحجاز''، إضافة إلى كتبه ومنها ''تجديد الفكر الديني في الإسلام'' الخاص بالتصوف العلمي والذي هو عصارة الثقافة الإسلامية والهندية والغربية. تقدم بعدها الأستاذ محمد مأمون القاسمي الحسني، ممثل زاوية الهامل بمحاضرة حول ''الإصلاح من المنظور الحضاري المنشود''، مشيرا إلى أن الإصلاح بعث الأمل وحث على العمل واستعداد الأمة لحركة التجديد، طارحا إشكالية ''أي إصلاح لأية نهضة؟''. وتوقف المحاضر عند تاريخ الإصلاح في التاريخ الإسلامي والذي يعتبر من باب كمال رسالة الإسلام ويحمل نظرة واقعية للحياة في سيرورتها ويتطلب ذلك الاجتهاد والإصلاح التخصص وتكامل جهود العلماء، إذ لا تستطيع فئة واحدة الوفاء بجميع متطلبات التجديد والإصلاح. التجديد ألزمته الشريعة من خلال السنة، حيث قال الرسول الأعظم إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها''، مما يعني الأمر بالتكليف لنصرة الدين وإعزاز دعوته وأهله، علما أن الدين منهج إلهي ثابت، أما الأمة وعلاقتها بالدين هو المعنى بالتجديد. الباحث أنطونيو دياس فيرانير من البرتغال تحدث عن التعايش في الإسلام وكيف أن التاريخ الإسلامي بشبه الجزيرة الآيبيرية يشهد على ذلك إلى اليوم، مستعرضا بعض الفترات التاريخية، خاصة بالبرتغال وكيف أن الثقافة الإسلامية لا تزال موجودة في بعض المناطق، مؤكدا أن التطرف هو من يخلف الفرقة والبغضاء وحالة اللااستقرار. الجلسة الثانية تضمنت خمس محاضرات وترأسها علي مصطفى يعقوب من إندونيسيا واستهلت بمحاضرة صالح والي من تونس، الذي استعرض ''رواد الحركات الإصلاحية'' بالوسط الريفي بإفريقيا'' في القرنين 12 م و14 م؛ فتحدث المحاضر عن تجربة الموحدين في الإصلاح (التصوف السني) خاصة بوادي بني هلال وبين سليم بالقيروان وبسكرة، حيث عملوا من خلال مصلحين رواد على محاربة الجهل. واستعرض المتحدث تجارب بعض الإصلاحيين وقتها والذين تتلمذوا على يد سيدي بومدين شعيب ببجاية ومن هؤلاء قاسم بن مراد الذي أخمد البدع وأحيا العلم وكذلك الدهماني الذي أسس الحركة السنية ببسكرة وكل آثارهما موجودة في مؤلفات ابن خلدون. أما الدكتور أحمد حلواني من سوريا فتعرض للحركة الإصلاحية ببلاد الشام والتي كان منها بعض الشيوخ والرواد من أصل جزائري وصلت سمعتهم إلى أطراف العالم الإسلامي، أما محمد الصغير بلعلام فتحدث عن تجربة أبي يعلى الزواوي الذي حارب الأوضاع المزرية التي خلفها الاستعمار الفرنسي بالجزائر وتصدر مقاومة شرسة ضد ضرب الهوية والدين في الجزائر ولا تزال كتبه مصدرا هاما من مصادر الإصلاح في عصرنا الحديث. محاضرة أخرى توقف فيها الأستاذ سفيان لوصيف من جامعة سطيف عند مقاومة ابن باديس وتجربته الإصلاحية التي حاربت الخرافة والطرفية والاستعمار ودعاة الإدماج في آن واحد.