لم يسع قصر الثقافة مفدي زكريا بما رحب الجماهير الغفيرة التي جاءت من كل فجّ، لتودع آخر عمالقة الطرب العربي الأصيل، وتضع أكاليل الزهور على أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية، وفي أجواء مشحونة بالحزن والأسى على فقدان صوت الثورة والاستقلال، التي طالما غنت للوطن في أعياده وأفراحه، كان الوطن أمس يرثيها بكاء في تأبينية حضرتها وجوه فنية وثقافية عديدة، من أجل مؤازرة عائلتها المفجوعة في مصابها. في جو من الحزن والتأثر وقف الحاضرون يتقدمهم ابنها رياض قصري ووزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي، أمام النعش المسجّى بالعلم الوطني، لتلاوة فاتحة الكتاب على روح الفقيدة التي لم تبخل يوما بفنها الراقي في شتى المناسبات والأعياد الوطنية الهامة، ثم التحق الفنان الإماراتي حسين الجسمي لحضور مراسيم التأبين والدفن. وتوافد الفنانون والمثقفون وشخصيات إعلامية ووزراء ومواطنون إلى قصر الثقافة لأداء واجب العزاء لعائلة المرحومة، فإلى جانب ابنها رياض وابنتها وداد حضر عدد كبير من الشخصيات السياسية لاسيما وزير الشؤون الخارجية السيد مراد مدلسي ووزير الإتصال السيد ناصر مهل ووزير الموارد المائية السيد عبد المالك سلال وكاتب الدولة لدى وزارة الشؤون الخارجية المكلف بالجالية الجزائرية المقيمة في الخارج السيد حليم بن عطا الله. كما حضر مراسم الترحم على جثمان رمز الطرب العربي مستشاران للملك المغربي محمد السادس بصفتهما ممثلين للعاهل المغربي إلى جانب وفد أجنبي يضم سفير دولة فلسطينبالجزائر ودبلوماسيين عربا معتمدين بالجزائر. وشارك في مراسم الترحم عدد كبير من الفنانين ورجال الأدب الجزائريين من بينهم الكاتب أمين الزاوي وعز الدين ميهوبي ومصطفى شريف السفير الأسبق للجزائر بمصر. وقالت وزيرة الثقافة في كلمة تأبينية أن الجزائر تقف وطنا وشعبا أمام هذا المصاب الجلل، خاشعة، صابرة، محتسبة، مؤمنة بقضاء الله وقدره، ومتضرعة لله أن يتغمد روحها الطاهرة برحمته التي وسعت كل شيء. وذكرت الوزيرة أن رئيس الجمهورية قد كرمها نظير الدور الريادي وعرفانا لما قدمته لوطنها عبر تاريخها الحافل بالأمجاد والبطولات التي نستعيد في كبرياء ذكراها الخمسين للاستقلال، وكانت وردة الجزائرية تتهيأ لتحتفل كعادتها لتلبية نداء الوطن المفدى، ورغم رحيلها تضيف الوزيرة سترفرف روحها وتغني الذكرى مثلما تمنت أن تغنيها بصوت حنون وكلمات عذبة وألحان شجية. وواصلت السيدة الوزيرة ذكر محاسن ومآثر الفنانة القديرة التي اقترن اسمها وحياتها ومسارها الفني بملحمة الجزائر، منذ فجر الثورة وحتى آخر نبضة لقلبها الذي ظل يخفق بحب الوطن وقد تعطر بأريج صوتها، إذ تفتحت حنجرة صادحة بالأناشيد الوطنية منذ صباها بفرنسا بعد اندلاع الثورة التحريرية، وراحت تغني للشهداء وصوت الشعب الثائر من أجل حريته واستقلاله، وعرفت بالقضية الجزائرية من خلال الجولات الفنية عبر مختلف أقطار العالم العربي، مناضلة بصوتها ومتبرعة بعائدات حفلاتها لجيش التحرير الوطني. ولما ضاقت فرنسا بأغانيها، اضطرت وردة إلى المغادرة باتجاه الرباط ثم بيروت ليظل صوتها معانقا الجزائر متحدية بذلك الاستعمار الظالم. وبعد الاستقلال غنت أميرة الطرب العربي لأفراح الجزائريين ونصرهم، ورغم أنها توقفت عن الغناء إلا أنها ما لبثت أن عادت بفضل الرئيس الراحل هواري بومدين الذي اصطفاها لتحيي الاحتفال الرسمي بالذكرى العاشرة لاستقلال الجزائر، لتبدأ بذلك منعطفا آخر اختارت فيه الالتزام بالوطن والفن والحب مكرسة حياتها لمسار استثنائي ولعبقرية فنية فذة وضعتها على رأس الفنانات والفنانين الكبار في العالم العربي لتتربع على عرش الغناء العربي، من خلال أعمالها الخالدة لأكبر الملحنين كبليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وسيد مكاوي وحلمي بكر وعمار الشريعي ومحمد بوليفة وغيرهم. وتابعت السيدة تومي تقول أن إخلاص وردة لفنها جعلها تقتحم عالم السينما والتلفزيون لتؤدي أدوارا رائعة في العديد من الأفلام والمسلسلات لتبرز بذلك تعدد مواهبها. وكان جثمان الفنانة وردة الجزائرية التي وافتها المنية بالقاهرة على اثر سكتة قلبية عن عمر يناهز 72 سنة قد وصل إلى مطار الجزائر العاصمة مساء الجمعة على متن طائرة خاصة قادمة من العاصمة المصرية القاهرة. وكان حاضرا بالمطار الدولي هواري بومدين كل من وزير الشؤون الخارجية السيد مراد مدلسي ووزيري الثقافة والاتصال السيدة خليدة تومي والسيد ناصر مهل.