تحوّل البريد المركزي نهاية الأسبوع إلى متحف يحتضن تاريخ الجزائر العريق، من خلال إصدارات متعددة جمعتها مؤسسة بريد الجزائر على مدار نصف قرن، لتكون بمثابة الراوي الذي يحكي للجيل الجديد قصة الجزائر منذ غابر الحضارات إلى ذكرى الاحتلال، مرورا بأحداث الثورة وفرحة الاستقلال، وصولا إلى جزائر الحرية والبناء على مدار خمسة عقود متتالية. ويأتي تنظيم المعرض الذي يعد متميزا هذه المرة لكونه يمثل خمسينية الجزائر المستقلة، من منطلق مشاركة وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال باحتفالية خمسينية الجزائر، حيث تم خلاله الإعلان عن إصدار سلسلة من الطوابع الخاصة بالاحتفالية من طرف بريد الجزائر، والتي تم تكريسها للجيش الوطني الشعبي، فضلا عن طابع بريدي آخر مخلد لذكرى مرور خمسين عاما على عيدي الاستقلال والشباب، وهي إصدارات تم ختمها يوم صدورها الموافق لتاريخ الذكرى (خمسة جويلية) على مستوى القباضة الرئيسية للعاصمة. وجسد المعرض الخاص في العموم تاريخ وعراقة الجزائر، حيث أبرز للزوار ثقافة وأصالة الشعب الجزائري، كونه لم يتوقف عند حدود عرض الطوابع الجديدة المتعلقة بالجيش الوطني الشعبي، بل امتد ليسلط الضوء على مختلف الجوانب التاريخية، ومنه كانت التفاصيل عن مقاومات شعبية شهدتها أرض الجزائر في بداية الاحتلال على يد أبطال تم تخليدهم بواسطة إصدار طوابع تحمل صورهم، يأتي في مقدمتهم الشيخ محمد أمزيان بلحداد والأمير عبد القادر، إضافة إلى تخليد مقاومة الزعاطشة والذكرى ال 30 لمظاهرات 11 ديسمبر 1960. ويعود المعرض بالذاكرة أيضا إلى تفاصيل عن الحركة الوطنية من خلال تجسيد مجازر الثامن ماي، وتخليد بعض الشخصيات البارزة في إطار النضال السياسي، ومنهم؛ فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة قبيل الاستقلال.. وكان للثورة النوفمبرية المجيدة نصيب معتبر، كذلك، من الإصدارات التي أريد من خلالها الوقوف عند بعض أحداث الثورة المصيرية، على غرار مؤتمر الصومام المنعقد بتاريخ 20 أوت 1956. وفيما عبرت بعض طوابع المعرض عن فرحة الاستقلال، عكست طوابع بريدية أخرى واقع جزائر ما بعد الاستقلال، وذلك بإبراز إنجازات الجزائر المستقلة في ميادين شتى، على غرار السكن والعمران، الموارد المائية والنقل. كما خلدت طوابع أخرى شخصيات فكرية وثقافية مثل “محمد ديب”، “محمد راسم” و«مصطفى كاتب”. وإلى زمن بعيد، تقود بعض الطوابع البريدية المعروضة الزوار للوقوف على بعض أوجه التراث الإسلامي، واكتشاف أطلال ومواقع أثرية من العهد الروماني، حصون الجزائر، قصبة الجزائر، قصورها وعيونها القديمة، وكذا حماماتها المعدنية.. ومن الأشكال التصويرية التي تقود الزائر عبر جولة سياحية خاطفة إلى رسومات تكشف وجه الصناعة التقليدية، حيث تم تكريس بعض الطوابع لنماذج من الأواني الفخارية، آلات النسيج، مع إضافة بعض أشكال الفنون التقليدية. ومن التراث إلى عالم الطبيعة لاكتشاف الثروة النباتية والحيوانية التي تزخر بها الجزائر، شكل المعرض رواية مختلفة الفصول من التاريخ القديم إلى التاريخ الثوري، إلى أيام الإنجازات في كنف الحرية.. ومن أصالة الماضي وفنونه إلى جزائر العصر الحديث، إذْ كانت الرحلة التاريخية السياحية متنوعة في جزائر مر نصف قرن على يوم استرجاعها لأرضها المغتصبة من طرف المستدمر الفرنسي. معرض الطوابع البريدية يعكس المنجزات الحضارية لجزائر المليون ونصف المليون شهيد، والمناسبات التاريخية التي مرت بها، فمن خلاله لعبت مؤسسة بريد الجزائر دورا مميزا في توثيق التطور الحضاري الذي تشهده كافة مجالات الحياة في الجزائر، انطلاقا من تجسيد الدور البارز في درب التطور الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي والمناسبات التاريخية التي شهدتها حتى اليوم. ومن بين الأشكال المتعددة للطوابع البريدية، يبقى لأوّل طابع بريدي أصدرته الجزائر المستقلة مكانته الخاصة في القلوب، حيث كان بشكله الكبير سيد الطوابع البريدية.. وتقول الحقائق بهذا الخصوص، أنّ أوّل طابع بريدي صدر في جزائر الحرية في 12 نوفمبر 1962، وكانت تبلغ قيمته آنذاك واحد فرنك جديد.. وقد حمل عبارة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، باللغة العربية، وهو عمل يرمز إلى السيادة الوطنية ويعكس إنجازا فنيا قامت به مجموعة من الشباب الجزائري في مطبعة جزائرية، ليكون بمثابة رسالة واضحة عما تمثله الثورة من عزة ومجد، طالما أنّه يرمز إلى القيم التاريخية لليوم الذي انطلقت فيه أوّل رصاصة. وجدير بالذكر أنّ ظهور أوّل طابع بريدي كان في القرن التاسع عشر، وخلال القرون الأولى للخدمة البريدية في أوروبا في القرن ال 15، وخلال العشريات الأولى لظهور الطابع البريدي، كان بمثابة تصوير لبورتريهات خاصة بملوك ورؤساء دول، لكنه ابتداء من نهاية القرن ال 19، تم اللجوء إلى أشكال تصويرية أكثر تنوعا.