امرأة رقيقة، شفافة الروح أصيلة المنبت، تتسامى كجذع نخلة صلبة تأبى الانكسار أو الانحناء للريح، نتخيلّها تأخذ مكانها من وراء منسج، تغزل من الحروف كلمات تهديها للشجن من عمق الوجع والألم، من أعماق يم الآهات والأمل تتسامى أشعارها لتحاكي البوح والشوق فترتسم في الآفاق بسمة لغد واعد، هكذا هي ابنة الباهية وهران الآنسة زهرة برياح.. مزيج من التناقضات بين الفرح والألم وبين السعادة والتعاسة. هذا ما تعكسه قراءتنا لديوان الشاعرة والإعلامية زهرة برياح الموسوم ب«عيون العشّاق” الذي يضمّ 95 صفحة من القطع المتوسط والصادر عن مؤسسة “مصر الدولية للنشر والتوزيع”، حيث تسافر بنا من خلاله وعبر عناوين توحي بشفافية صاحبتها إلى محطات شتى، “العاشقة المقتولة”، “أغني رغم الوباء”، “إني من هذا الليل أخاف”، “عيون العشاق”، “جزائرية أنت”، “الدمعة الحزينة”، “همسات الروح”، “آه من وجعي” و«من دفتر أيامي”. تقول عن مولودها الشعري الثالث أنّها عكست من خلاله ذاتها وهواجسها وآمالها، فنلمس خوفها الممزوج بالأمل والقوّة والعزيمة ولكن بشفافية “المرأة” غير المتناهية، تخطّ بعبارات بسيطة وبكلمات بعيدة عن التصنّع وفي متناول القارئ ما تريد قوله والتعبير عنه، وتنتهج طريق الأسلوب “السهل الممتنع” في غير تكلّف لتعبّر عما تريد قوله والوصول إليه، فنستشعر قوّة الكلمات رغم بساطتها. فقد جمعت الأمل والعشق والخوف من الغد المبهم وحب الوطن وسرد الذات في ديوان شعري واحد في انسجام وتكامل يكاد يجعل تلك القصائد منابع ماء زلال ينبع من نهر واحد فتتدفق شلالا جارفا يغسل الأفئدة ويداعب الروح التي تحن لدفء البوح فيزرع فيها الحياة من روح الشاعرة في تجليات بوحها الأنثوي النقي الصافي. ترجمت الشاعرة زهرة برياح بذكاء وفطنة أحاسيس سامية في كلمات بسيطة ضمّها ديوانها الذي اختارت له عنوانا جذابا “عيون العشاق” ونحن نعلم أنّ عيون العشاق تسهر وتعيش على أمل فجر جديد وغد يحمل الكثير من الأماني المؤجّلة التحقيق. من بين ما نقرأه في قصائد هذه الشاعرة التي عرفناها إعلامية متميّزة في كتاباتها الصحفية خلال مساهماتها المثأرة في جريدة “الجمهورية” وبعدها في “الجمهورية الأسبوعية”، عاشقة للأدب ومثقلة بأوجاع الثقافة ومن الأسماء المعروفة في وهران ومن بين أقلامها الراقية في إحدى قصائدها في هذا الديوان بعنوان”توجتك ملكا”، حيث تقول: «توجتك ملكا على قلبي في عينيك تذوب أحزاني تتدفق ينابيع سعادتي طيفك يداعب أجفاني” الديوان الشعري الأوّل للشاعرة زهرة برياح، صدر عن “دار الغرب” للنشر والتوزيع ويضم باكورة أعمالها الأدبية “مرافئ العشق البارد” في 2003، تلاه ديوان “بوتفليقة فخر الجزائر” في 2004، كما للصحفية برياح زهرة أعمال أخرى فهي لم تتوقّف عند مرافئ الشعر بل تعدّته إلى البحث الأكاديمي، القصة والرواية. ديوان “عيون العشاق” قام بكتابة مقدمته الدكتور محمد قاسمي كما جمع بين دفتيه آراء بعض الوجوه الأدبية المعروفة على غرار الأستاذ الصحفي علي حساني والدكتور يحيى يوسفي وهو جدير بالقراءة والاكتشاف.