تواصلت، أمس، بمركز الاتفاقيات بوهران أشغال الدورة العشرين لمجمع الفقه الإسلامي بالتطرق الى موضوع استكمال عقود الصيانة وذلك من خلال إلقاء العديد من المحاضرات، منها محاضرة الالتزام بالصيانة للدكتور أحمد محمد أحمد بخيت، أستاذ الفقه المقارن بجامعة البحرين، الذي حاول فيها معالجة ما أسماه نظم الصيانة والتحديث في عصر الآلات المعمرة والأجهزة الدقيقة والتقنيات الفائقة والكثافة الرأسمالية والمنافسة المحمومة والاتصال فائق السرعة والحرص الشديد على تثوير الخدمات مع تقليل النفقات ورفع الكفاءة وتأمين الاستعمال بمتابعة صيانة الأجهزة والمنشآت وتحديث البرامج والتقنيات لأن مهمة المجالس الفقهية -كما قال- تكمن في تكييف أعمالها المتعلقة بصيانة الأجهزة والمعدات والمنشآت وتحديثها وتحديث برامج تشغيلها للكشف عن الأحكام الشرعية في كل ذلك مع العمل على تبيان حالات المشروعية وقيودها وأسباب الحظر ومستثنياتها. أما محاضرة عقود الصيانة التي ألقاها الشيخ محمد حسن الجواهري، أستاذ بالحوزة العلمية بقم الإيرانية، فقد أكد فيها على ضرورة فهم العقود وأنواعها تمهيدا لمعرفة حكمها الشرعي من منطلق أن الصيانة تختلف عن الإصلاح لأنها أعم وتشمل الوقاية من وقوع الخلل ليخلص إلى أن الصيانة هي وقائية دورية وإعلامية طارئة ومن ثم فإنها صيانة شاملة للنوعين السابقين. في هذا الإطار، يستدل الشيخ الجواهري بتطور فكرة الصيانة للسلع مع توسع وتعدد أشكالها لتشمل زيادة على المباني والآلات الثابتة والمتحركة الخدمات، منها على سبيل المثال خدمة الطبيب ومتابعته لمرضاه بعد الزيارة الأولى إلى زيارات أخرى إلى غاية الشفاء. على هذا الأساس يؤكد الشيخ الجواهري أن الصيانة هي عبارة عن أعمال تتلخص في المراقبة الدورية والحضور في المكان المعين وإصلاح الخلل بعد التعرف عليه ويتطلب ذلك شروطا يتضمنها عقد الصيانة يجب التقيد بها مثل التعويض عن الإيراد المفقود لفترة تعطل الشيء عن العمل وتقديم منفعة بديلة وغيرها ليخلص الباحث إلى أنه لعقود الصيانة خاصيتان هامتان هما الجهالة والطبيعة التأمينية بعد فحص السلعة ليتم التوصل إلى عقد الصيانة الذي يقصد به الوقاية من حصول العطل في الآلة وإصلاح ما قد يحدث في المستقبل من أضرار وهو أمر غير معلوم عند التعاقد ليخلص إلى حقيقة التأمين وحاجة المجتمع إليه. في نفس الموضوع، يؤكد الشيخ عكرمة سعيد صبري، الخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي، في محاضرة صور عقود الصيانة، أنها مستحدثة وليست مألوفة في مجال مختلف المعاملات، خاصة وأن التعامل بين الناس يقوم على نظرية العقد، الأمر الذي يفرض وضع القواعد العامة لها كون الكثير منها قائم على الغرر الكبير أو الفواحش وهذا من أجل الاطمئنان على سلامة العقود المتعلقة بالصيانة ليتم بعدها الحكم على مشروعية العقود أو عدم مشروعيتها ليصل على هذا الأساس إلى تقسيم الغرر عند الفقهاء الأربعة إلى قسمين هامين على ضوء تأثيره في العقد أو عدم تأثيره، قائلين إن الغرر المؤثر في العقد هو الغرر الفاحش الذي يفضي إلى النزاع بين الطرفين، أما الغرر الذي لا يؤثر في العقد فهو الغرر اليسير ووجوده في العقد لا يفضي إلى أي نزاع بين المتعاقدين ليشير في النهاية إلى أن معظم عقود المعاملات لا تخلو من الغرر اليسير. من جهته، أكد الدكتور العياشي الصادق فداد من البنك الإسلامي للتنمية في المحاضرة التي ألقاها عن صور استكمال عقود الصيانة وتكييفها، أن العقد المستحدث المستقل تنطبق عليه الأحكام العامة للعقود، كما أن اختلاف التكييف والحكم يتم باختلاف الصور المتعلقة بعقد الصيانة المتعدد والمختلف، منها ما تبين حكمه مثل عقد الصيانة المرتبط بعقد آخر والذي يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل فقط بشرط أن يكون العمل معلوما والأجر كذلك، عكس عقد الصيانة غير المقترن بعقد آخر، الذي يلتزم فيه الصائن بتقديم العمل والمالك بتقديم المواد وكذلك الصيانة المشروطة في عقد البيع على البائع لمدة معلومة أو الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر أو المستأجر التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة فيجوز اشتراطها على كل من المؤجر أو المستأجر إذا عينت تعيينا نافيا للجهالة ليخلص إلى أنه يشترط في جميع الصور أن تعين الصيانة فيها تعيينا نافيا للجهالة المؤدية إلى النزاع وكذلك ينبغي تبيين المواد إذا كانت على الصائن أم لا، كما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات ليصل إلى ضرورة اعتبار الصيانة شرطا في العقد أو عقدا في العقد سواء كان عقد الصيانة منفردا بالقطعة أو لمدة معينة. المصارف الإسلامية ظاهرة صحية وحضارية أما في موضوع دور المجامع الفقهية في ترشيد مسيرة المؤسسات المالية الإسلامية، أكد الشيخ خليل محي الدين الميس، مفتي زحلة والبقاع الغربي ومدير أزهر لبنان في محاضرة المصارف الإسلامية والرقابة الشرعية، أن المصارف الإسلامية ظاهرة حضارية تؤكد حيوية الدين الإسلامي وقدرته على الاستجابة لمستجدات ومتطلبات الحياة اليومية والقدرة على التعامل وإياها بالاستناد إلى أسس الإسلام الحنيف، كما أن إقامة المصارف الإسلامية هو الالتزام بالأحكام الشرعية، علما أن هذه المصارف جزء من الاقتصاد الإسلامي الذي هو كذلك جزء من النظام الذي أقامه الإسلام المبني على قيم إيمانية تحرم عبادة المال والتعامل بالربا ولا تقبل التعدي على أموال الناس بالباطل إلى جانب محاربة الإسلام للاحتكار. من هذا المنطلق، أكد الشيخ مدير أزهر لبنان أن هذه المبادئ هي التي تميز المصارف الإسلامية على غيرها من المصارف، زيادة على أنها مصارف متعددة الوظائف، فهي مصارف تجارية ومتخصصة ليست مقرضة ولا مقترضة ولا تتعامل بالفائدة أخذا ولا عطاء، بل تقوم بالتمويل وفق صيغ جائزة شرعا وذلك على أساس تحمل المخاطر والمشاركة في نتائج العمليات المصرفية ربحا أو خسارة لترتبط بزبائنها بعلاقة مشاركة وليست علاقة دائن ومديون. من هذا المنطلق، يؤكد شيخ أزهر لبنان أن وصف العمل المصرفي بأنه إسلامي لا يكفي، بل لا بد من الإفصاح قولا والالتزام عملا والتقيد الفعلي بأحكام الشريعة الإسلامية وهو ما يفرض توافر الأجهزة والأدوات المصرفية الكفيلة بتحقيق هذا الالتزام المبدئي للمصارف الإسلامية. في هذا الإطار، أبرز شيخ أزهر لبنان خصائص المصارف الإسلامية وظروف نشأتها ومختلف العقود التي تستند إليها في معاملاتها كعقد الوديعة وعقد الإجارة وعقد القرض وعقد الحوالة وعقد الشركة وصولا إلى الخدمات التي تقدمها هذه المصارف الإسلامية كالمشاركة المنتهية بالتمليك وبيع السلم وبيع المرابحة وبيع المرابحة للأمر بالشراء والبيع بالتقسيط والودائع المختلفة منها الادخارية والتي تحت الطلب والوديعة الاستثمارية ووديعة الوثائق والمستندات وصولا إلى صندوق التوفير والأوراق التجارية والاعتماد المستندي وخطابات الضمان ومختلف التحويلات المصرفية الداخلية والخارجية وتأجير الصناديق الحديدية وبيع الأسهم وبيع السندات وبيع العملات الأجنبية ليعرج بعدها إلى مختلف المشاكل التي تواجه المصارف الإسلامية في استخدام المضاربة أو البيع بالمرابحة إلى مشاكل استخدام البيوع لأجل، وصولا إلى الخاصية المميزة للمصارف الإسلامية المتعلقة بالرقابة الشرعية كونها هيكل تسيير وسلطة مكلفة بالرقابة. أما الشيخ محمد أحمد حسين، المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، فقد ركز في دور المجامع الفقهية في ترشيد مسيرة المؤسسات المالية الإسلامية على الكيفية التي تؤدي بها المجامع الفقهية دورها المنشود والمنتظر منها من خلال التعرف على أساسيات الرقابة الشرعية وكذلك الصفة الشرعية لأعمال الرقابة، مع العمل على تجسيد ذلك في الميدان من خلال إلزامية قرارات المجامع الفقهية وهيآت الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية مع ضرورة ترشيد المؤسسات المالية الإسلامية. أما الأستاذ محمد بن أحمد بن صالح الصالح، الخبير بمجمع الفقه الدولي الإسلامي بجدة السعودية، فقد أبرز دور المجامع الفقهية في ترشيد المصارف الإسلامية في مشروعية الاجتهاد الجماعي وأهميته في ضبط الفتوى مستدلا في ذلك بوجوب اعتماد الاجتهاد الجماعي كبديل عملي عن الإجماع الذي يتحقق من خلال المجامع الفقهية التي لها الدور البارز في تحقيق الاجتهاد الجماعي من أجل ترشيد المصارف الإسلامية التي تسعى إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة التعاملات المصرفية. في الوقت الذي أبرز فيه الأستاذ محمد مصطفى الزحيلي، عميد كلية الشريعة بجامعة الشارقة، دور المجامع الفقهية مع المؤسسات المالية الإسلامية من خلال هيئات الرقابة الشرعية، التي تعمل من خلال تعدد اختصاصاتها في تقويم الفتوى الجماعية وصلتها بالاجتهاد الجماعي بناء على التزام المؤسسات المالية الإسلامية بالقرارات الشرعية وهو نفس المنحى الذي ذهب إليه الشيخ محمد علي التسخيري، الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بطهران، عندما أكد أن نجاح المصرفية الإسلامية هو واحد من أوجه نجاح تطبيق الشريعة الإسلامية على كل جوانب الحياة الإنسانية وانسجامها مع كافة التطورات والتعقيدات التي تتطلبها الحياة التي فرضت التفكير في إيجاد بديل للمصارف الربوية الأجنبية وذلك من خلال تحضير الأرضيات لإقامة المصارف اللاربوية وكيفيات قيامها بوظائفها في المجال المصرفي والدور الكبير الذي يجب أن تقوم به المجامع الفقهية في دعم هذه المسيرة فقهيا، خاصة وأن ذلك يتطلب مواجهة التحديات الاجتماعية والفكرية التي وضعها الفكر العلماني وشجعها الاستعمار ودعمتها النظم المستبدة في العالم الإسلامي.