أصبحت إقالة المدربين في مختلف مستويات بطولاتنا لكرة القدم من بين الأشياء التي ألفها الجمهور الرياضي الجزائري، ذلك أن هذه الظاهرة تتكرر منذ عدة مواسم، وقد ازدادت حدة في الرابطة الاحترافية الأولى بشكل خاص، وعادة يبقى التقنيون هم المتضرر الأول من قرارات مسيري الأندية وذلك في غياب تغطية قانونية تحمي مهنتهم من التعسف الذي يطال سمعتهم ويضر بمستقبلهم الكروي ومستقبل الأندية أيضا، ذلك أن المشرفين على هذه الأخيرة لا يهمهم العمل المستمر المبني على التنظيم والاستقرار. التغييرات الحاصلة في العارضة الفنية لمختلف الفرق أصبحت ترهب المدربين وبشكل أكثر التقنيين الأجانب الذين شكلوا على غير العادة المفارقة الكبيرة في هذه الظاهرة التي أطاحت بسبعة منهم وهم باتريك ليفييغ وجون بول رابييه (مولودية الجزائر) وصافوا ولوك إيماييل (مولودية وهران) وميغافل قاموندي (اتحاد الجزائر) وأرينا (ر شباب بلوزداد) وألفيز (مولودية قسنطينة). ويرى المتتبعون للشأن الكروي أن ما يحصل للتقنيين الأجانب دليل على أن هؤلاء ليسوا أحسن مستوى من المدربين المحليين الذين يتعرضون دوما إلى انتقادات بدون وجه حق تنقص من قيمتهم ومؤهلاتهم، وهناك من يرى أن التغييرات الحاصلة في العارضة الفنية للفرق تتعارض مع سياسة الإحتراف التي تبنتها كرة القدم الجزائرية منذ سنتين وستكون لها نتائج وخيمة على استمرارية العمل الذي يتطلب الإستقرار على كل المستويات. مسيرون لا يفقهون شيئا في كفاءة المدرب وكانت مولودية الجزائرية أول ناد في الرابطة الإحترافية الأولى دشن عملية الإقالات بإبعاد باتريك لييفينغ أثناء التحضيرات التي سبقت انطلاق البطولة بعد سوء تفاهم بين هذا الأخير وبعض لاعبي الفريق، وقتها أكدت أطراف قريبة من العميد أن مسيري النادي انحازوا الى صف اللاعبين الذين لم يتحملوا صرامة مدربهم في العمل، ثم جاء دور إقالة جون بول رابييه، وبررت إدارة العميد هذا الإجراء بالضعف التكتيكي للتقني الفرنسي الذي أعابت عليه خياراته الفاشلة في تحديد التشكيلة الأساسية واعتبرت ذلك السبب الرئيسي في صعوبة تحقيق الانتصار أمام شبيبة الساورة والخسارة التي مني بها الفريق أمام اتحاد الجزائر، وقد فاجأ القرار السريع الذي اتخذه رئيس الفرع عمر غريب لتنحية رابييه الأوساط الرياضية للفريق وأثار حفيظتها لأن عمر غريب وصف رابييه بالمدرب الذي يليق لمولودية الجزائر ونوه بمؤهلاته ليتغير موقفه من هذا الأخير في ظرف قصير ويفرض مناد في العارضة الفنية. وما حدث لرابييه كان في الحقيقة حلقة اولى في مسلسل إقالة المدربين، حيث طال هذا الإجراء مدربين آخرين كانوا يعتقدون أنهم سيستمرون لفترة طويلة مع الفرق التي وقع اختيارهم عليها قبل انطلاق البطولة، وأكثرهم إيمانا بهذا التفكير التقني الأرجنتيني أنجيل قاموندي الذي كان يعتقد أن تجربته السابقة في بطولة الجزائر مع شباب بلوزداد كفيلة بتسهيل مهمته مع تشكيلة سوسطارة، سيما وأنه انطلق في مهمته مع هذه الأخيرة مبكرا، حيث استفاد من الوقت الكافي لإعداد لاعبيه لموعد انطلاق البطولة من خلال التربصين الذين أنجزهما الفريق في المغرب وتونس، غير أن قاموندي فشل في مهمته بسبب النتائج الهزيلة التي طبعت مسيرة الفريق في الجولات الست الأولى، حيث اقتنع مسيرو النادي بأنه لا جدوى من إبقائه على رأس الفريق، وقد خيره الرئيس حداد بين الإنسحاب أوالإقالة، ففضل الذهاب بمحض إرادته، إلا ان هناك في الأوساط الرياضية لنادي سوسطارة من يعتقد ان قاموندي كان ضحية الإستراتيجية الفاشلة التي تبناها مسيرو الفريق لتحويل اتحاد الجزائر إلى ناد محترف كبير، حيث تكررت نفس الأخطاء التي وقعت الموسم الفارط من خلال الإعتماد على سياسة النجومية التي أضحت اختيارا فاشلا لأن مستوى الفريق لم يتحسن، فضلا عن أن الخلافات بين اللاعبين استفحلت وصعبت من مهمة المدرب قاموندي في السيطرة على جانب الإنضباط، ولا تنظر هذه الأوساط بكثير من الارتياح إلى التغيير الذي قامت به إدارة النادي على مستوى العارضة الفنية من خلال استقدام التقني الفرنسي رولان كوربيس، وتعتقد ان مجيء هذا الأخير لن يكون له أية فائدة للفريق، وكانت التصريحات التي أدلى بها كوربيس بعد مباراة البليدة ضد اتحاد الحراش دليلا على ان المهمة التي تنتظره صعبة للغاية، حيث قال أنه من البديهي ان الفريق فقد كثيرا من حيويته بعدما فشل في تحقيق انطلاقة قوية في البطولة، وانتقدت ذات الأوساط طبيعة العقد الذي يربط النادي برولان كوربيس الذي أمضى لثمانية أشهر فقط دون ان توضح مهامه في جانب التكوين. التضحية بالمدرب للتستر وراء التسيير الضعيف للأندية وتتشابه وضعية المدرب قاموندي مع تلك التي عرفها التقني الإيطالي - السويسري أرينا، المقال مؤخرا من العارضة الفنية لشباب بلوزداد، حيث أعيب عليه عدم تحكمه في انضباط اللاعبين وضعفه التكتيكي، وشكل هذان العاملان في نظر مسيري النادي البلوزدادي السبب الرئيسي الذي دفعهم إلى سحب الثقة من مدرب فريقهم، ولا زال أعضاء ادارة النادي منقسمين بشأن المدرب الذي سيستقدمونه، هل سيكون أجنبيا أم محليا ؟ وبمولودية وهران يتبين بشكل واضح ان استقرار العارضة الفنية أضحت تتحكم فيه المشاكل العويصة التي يعيشها النادي منذ ما يقارب الأربع سنوات والناتجة أساسا عن الخلافات العميقة الموجودة بين مسيري الفريق الوهراني الذي استهلك مدربين أجنبيين في أقل من شهرين هما البلجيكي لوك إيماييل والسويسري صافوا اللذين ذهبا ضحية التسيير الفوضوي الذي يميز مسيرة مولودية وهران التي استنجدت هذه المرة بالمدرب عبد الله مشري وتبدو مهمة هذا الأخير صعبة للغاية لإعادة الطمأنينة إلى صفوف الفريق. كما طالت سياسة تغيير العارضة الفنية مدربين جزائريين بعد تراجع نتائج فرقهم مثل عبد الكريم لطرش ورشيد بوعراطة وتوفيق روابح وعبد الكريم بن يلس وعبد القادر عمراني ورشيد بلحوت، البعض منهم فضل الطلاق بالتراضي والبعض الآخر انسحب طوعا بعد ان أصبح من المستحيل عليهم مواصلة مهامهم، إلا ان حالة المدرب روابح شكلت الإستثناء فيما يتعلق بالأسباب التي يستند عليها مسيرو الأندية لإحداث تغييرات في العارضة الفنية على اعتبار ان ذهاب روابح جعل تشكيلة “الجراد الأصفر” تستفيق من غيبوبتها، حيث سجلت نتائج ايجابية في الجولات الأربعة الأخيرة ميزها انتصاراها خارج الديار ضد اتحاد الجزائر وجمعية الشلف، مما جعل أنصار فريق “الجراد الأصفر” يعتقدون ان ذهاب روابح سمح بتحرير طاقات ومعنويات اللاعبين، غير ان الأوساط الرياضية التي تابعت عن قرب التطورات التي كانت قد حدثت في النادي قبل انطلاق البطولة تدرك جيدا ان المدرب روابح كان ضحية سوء تسيير الفريق الذي تأخر كثيرا في التحضيرات التي سبقت بداية الموسم بسبب الضائقة المالية العويصة التي كان يمر بها أهلي برج بوعريريج في تلك الفترة، ويقر المقربون من الفريق ان موقف المدرب روابح في تلك المرحلة كان مشرفا، حيث رفض ترك الفريق رغم أنه لم يستلم سنتيما من مستحقاته المالية، ولذلك لا يمكن في نظر هذه الأوساط تحميل المدرب روابح مسؤولية البداية الكارثية للفريق عند انطلاق المنافسة، وتتشابه وضعية هذا المدرب مع تلك التي عرفها زميله في المهنة عبد القادر عمراني الذي لم يسعفه الحظ لمواصلة مهمته مع وداد تلمسان وصرح أن المشاكل المالية العويصة هي السبب الرئيسي الذي حال دون مواصلة مهمته مع فريق مدينة الزيانيين. ولا تختلف أوضاع المدربين في الرابطة الأولى عن تلك التي يعيشها زملاؤهم في الرابطة الثانية بسبب الإقالات التي طالت الكثير منهم، ويتوقع المتتبعون لأطوار البطولة الوطنية في كلتا الرابطتين أن يتواصل مسلسل الإقالات في الجولات القادمة بسبب الضغط الكبير الذي تعيشه مختلف الفرق والذي له علاقة مباشرة بنتائجها السيئة في المنافسة، فضلا عن أن رؤساء الأندية يفضلون إبعاد المدربين من أجل التستر وراء سياستهم الفاشلة لتستمر نفس الممارسات التي كانت موجودة قبل دخول الكرة الجزائرية إلى عالم الإحتراف.