لا يزال مشكل نقص اللقاحات الخاصة بالأطفال مطروحا على مستوى أغلب العيادات والمراكز الصحية الجوارية بالعاصمة، حيث أصبح من الصعب على الأولياء الضفر بهذه المادة وتلقيح أبنائهم في الوقت المناسب، رغم وعود الوصاية وتأكيدها منذ أشهر على أن سنة 2012 ستكون “سنة اللقاحات”، فهل يكمن الخلل في التوزيع والتموين بهذه الأدوية الضرورية أم في سوء التسيير والتحكم في الملف؟. كشفت الجولة الاستطلاعية التي قامت بها “المساء” إلى العديد من العيادات وقاعات العلاج بالعاصمة، عن وجود تذبذب كبير في التزود بلقاحات الرضع، خاصة بالنسبة للأشهر الأولى؛ كالتهاب الكبد الفيروسي الذي يفترض أن يستفيد منه الرضع أثناء الولادة وقبل خروجهم من المستشفى، إلا أن قلة الجرعات أدت إلى مغادرة المواليد الجدد للمستشفيات دون التلقيح ضد التهاب الكبد الفيروسي أحيانا، الأمر الذي تحول إلى هاجس حقيقي بالنسبة للأولياء الذين يدخلون في رحلة بحث متواصلة عبر كل المؤسسات الصحية التي أصبحت الفوضى سمتها الأساسية، خاصة خلال مواعيد تقديم اللقاحات.
الأولياء.. الوساطة هي الحل وفي هذا الصدد، أشارت ممرضة مكلفة بالتلقيح على مستوى مركز بوجمعة موغني بحسين داي ل"المساء”، أن هذا الأخير لم يستلم الجرعات الخاصة بالتهاب الكبد الفيروسي منذ شهرين كاملين، وهو ما لاحظناه خلال زيارتنا التي صادفت عدم تلقيح الأطفال بهذه المادة، رغم حصول الأولياء على مواعيد مسبقة، وذلك بسبب خلل في التمويل، مثلما أوضحت المتحدثة، مؤكدة أن المشكل قائم منذ2011، وأنها رفقة زملائها يجهلون إن كان المشكل راجعا إلى معهد باستور أو الصيدلية المركزية. من جهتهم، أشار بعض الأولياء ل"المساء”، أن مواعيد التلقيح لم تعد تؤخذ بعين الاعتبار، بسبب قلة اللقاحات وندرتها أحيانا، بما فيها تلك الخاصة بالشلل والسعال الديكي، وذكر مواطن يقطن بحسين داي، أنه زار العديد من المراكز الواقعة بالقبة، باش جراح، بئر توتة وحتى تسالة المرجة، غير أنه تحصل على مواعيد مختلفة وبعيدة عن موعد التلقيح السابق، وأنه تمكن من إنهاء جولته والظفر باللقاح لرضيعه عن طريق أحد معارفه من الوسط الطبي بولاية البليدة. وفي هذا الصدد، قالت أم لرضيعة، إن ما زاد من قلقها هو تأخرها في تطعيم ابنتها بسبب نقص اللقاحات، وخوفها من أن تصاب طفلتها بسوء، وهوما عبر عنه معظم الذين التقيناهم بالمراكز الصحية، والذين أكدوا أن الندرة لم تمس فقط الأشهر الأولى للرضيع، حيث طال النقص معظم اللقاحات، مثلما أشار والد طفل التقته “المساء” رفقة زوجته بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية ببرج الكيفان، والذي أكد أن طفلته البالغة من العمر عشرة أشهر استفادت متأخرة من كل اللقاحات، وهي الوضعية التي جعلت العديد من الآباء يبحثون عن وساطة تمكنهم من حل هذا المشكل الذي رفض الطاقم الطبي وشبه الطبي على مستوى مركز برج الكيفان، الخوض فيه والإدلاء بأي تصريح ل"المساء”، دون إحضار رخصة من الإدارة على مستوى درقانة. وعلى العكس من ذلك، فقد أكد الطاقم المكلف بعملية التلقيح على مستوى العيادة متعددة الخدمات ببئر توتة، على وجود مشكل في التموين باللقاحات،،والدليل هو إلغاء كل المواعيد في يوم زيارتنا، رغم التوافد الكبير للأولياء، منهم أم لطفلة تبلغ من العمر تسعة أشهر، أكدت أنها تتنقل إلى مستشفى عين النعجة رغم أنها تقطن ببئر توتة، وبهذه الأخيرة، امتلأت قاعة الانتظار والرواق وحتى السلالم في جناح الأمومة بالعيادة متعددة الخدمات عن آخرها قبل إلغاء كل المواعيد المسبقة، بسبب عدم وصول اللقاحات التي لم تستفد منها العيادة، حسب بعض الممرضات منذ شهرين، مما جعل الآباء يقومون برحلة بحث متواصلة عبر مختلف المراكز المنتشرة بالعاصمة.
الندرة تدفع إلى اللجوء للخواص ومن هذه المؤسسات، العيادة متعددة الخدمات الشهيد بوزيد مختار الواقعة بحي “الإقامة” بحسين داي، التي أصبحت قبلة العديد من الأولياء من مختلف البلديات؛ منها باش جراح، الحراش، برج الكيفان، بئر توتة، الكاليتوس، الدارالبيضاء، أولاد فايت والحميز، لتوفرها على اللقاحات، حسب المكلفة بهذا الملف، التي ذكرت لنا أنها تضمن اللقاح لكل من يقصدها، “لأن الأمر يتعلق برضع وأطفال صغار”، وذلك في انتظار إيجاد حلول استعجالية لهذا المشكل الذي أرق العديد من الأولياء، حيث أصبح بعضهم يلجأ إلى القطاع الخاص رغم المخاوف التي تنتابهم حول صلاحية الجرعات من عدمها، مثلما أكده والد طفل التقته “المساء” بقاعة العلاج محمد بولوح بحي السمار، ببلدية جسر قسنطينة التابع للقطاع الصحي لبراقي، حيث يواجه هو الآخر مشكل التموين باللقاحات في الوقت الراهن. وفي هذا السياق، تساءل طبيب بإحدى المؤسسات الصحة الجوارية بغرب العاصمة، رفض الكشف عن هويته، عن السر وراء توفر اللقاح في القطاع الخاص، في حين تبقى العديد من المراكز الصحية العمومية دون هذه الأدوية الضرورية، مؤكدا على ضرورة التحكم في التموين بلقاحات الرضع ووضع استراتيجية على مدى سنوات، حتى لا يحدث خلل، مثلما هو حاصل الآن.
نقابة شبه الطبي تدعو إلى استدراك النقائص من جهته، أوضح رئيس النقابة الجزائرية لشبه الطبي، السيد الوناس غاشي، أن تسيير عملية توزيع اللقاحات غامض لا يفهمه العاملون في الميدان، وتساءل المتحدث في لقاء خص به “المساء”، عن سبب ندرة هذه اللقاحات في الوقت الذي كانت موجودة في السنوات السابقة، كما تساءل عن المصدر الذي يموّن الخواص الذين يبيعونها بأسعار تصل إلى 2000 دينار لكل من يلجأ إليهم. واعتبر أن المشكل راجع إلى سوء التسيير على مستوى التخزين والتوزيع، وأنه يجب توفير التلقيح حسب عدد المواليد، لحل المشكل الذي أثر على سير العمل بالمراكز الصحية الجوارية والعيادات متعددة الخدمات، والضغط على عمال شبه الطبي الذين عادة ما تحدث مناوشات بينهم وبين الأولياء. ولم يفوت المتحدث الفرصة دون أن يقدم نصيحة للأولياء من أجل عدم اللجوء إلى القطاع الخاص للاستفادة من اللقاح، لأن الأمر يتعلق بصحة أبنائهم ونوعية اللقاح الذي يستفيدون منه، “لأنهم يجهلون طريقة حفضه”، فضلا عن أن القارورة الواحدة من اللقاح يستفيد منها عشرة أطفال أو عشرون طفلا، حسب نوعيتها، مما يعني أن الخواص لا يتخلصون منها بعد فتحها، خاصة أنها مكلفة. وحسب المتحدث، فإن هذه الوضعية أثرت على عمل الممرضين الذين يواجهون ضغوطات منذ بداية أزمة اللقاح التي تعقدت أكثر في 2012، عكس ما صرح به وزير الصحة والسكان السابق، فهذا المشكل -كما أضاف- عاجل وعلى المكلفين به أن يقدموا حلولا استعجالية، مع وضع التوقعات؛ كاستيراد اللقاح الخاص بستة أشهر القادمة، وعدم تخزينه حتى تنتهي صلاحيته. من جهة أخرى، اعتبر السيد غاشي أن المشكل تعقد أكثر، بعد إدراج اللقاح الخاص بالتهاب الكبد الفيروسي الذي تم إدراجه في السنوات الأخيرة، مؤكدا على ضرورة استدراك النقائص في تسيير هذا الملف الذي أرهق الآباء كثيرا وخلق فوضى كبيرة بالمراكز الصحية الجوارية التي تتحول إلى “شبه محاشر” خلال مواعيد اللقاحات، مما يخلق ضغطا كبيرا بالنسبة للممرضين والمكلفين بالعملية، حيث يفوق عدد الأطفال الملقحين، أحيانا، عشرين طفلا في اليوم الواحد، كما بدد المتحدث مخاوف الأولياء الخاصة باحتمال إصابة أبنائهم بسوء، بسبب تأخرهم في تلقي اللقاح، حيث أكد أن ذلك ليس له أي أثر سلبي على الرضع الذين يتم تلقيحهم عند الولادة. وعلى صعيد آخر، عرج المتحدث على ظروف عمل شبه الطبيين، مؤكدا أن هناك فروقا بينهم وبين الأطباء؛ منها مواقيت العمل التي ليست نفسها بالنسبة للطبيب والممرض، بسبب عدم التزام بعض الأطباء بمواقيت العمل وتغيبهم عن مناصب عملهم، مما يؤثر على سير العمل وضرورة معالجة هذه النقائص لتحسين الخدمة العمومية.