لا تهم النسب أو ما تحقق في هذه البلدية أو تلك من فوز، بقدر ما يهم الهدوء الذي ميز الاستحقاقات التي عبر فيها المواطن عن قناعة وأدى واجبه بروح ومسؤولية بعيدا عن كل ضغط، ومن خلال ذلك ساهم المواطنون في إرساء قواعد الديمقراطية الحرة، لتكون بذلك الجزائر قد وضعت لبنة جديدة على درب الاصلاحات التي أعطت للمواطن حق ترسيخ قناعاته عن طريق الاختيار الحر للرجال الذين يديرون شؤونه محليا. لقد أعطى حرص المواطن على التواجد بصوته في الصندوق، بعدا حقيقيا للإصلاحات التي لم تتأثر بأصوات الغوغاء من المشككين الذين وظفوا كل الاساليب الملتوية لكبح هذه الاصلاحات والتأثير على سلوك الناخب بشتى الوسائل لكن دون جدوى، لأن هذا المواطن الذي تعود على التعبير الحر من أجل تقييم وتقويم مسار منظومة حكمه، أفشل كل مسعى، بدليل أنه لم يتأثر بالفتور الذي ميز الحملة الانتخابية، لكنه وهو يواكب أطوارها من خلال العمل الجواري الذي تم على مستوى الاحياء والقرى في آخر لحظة، قد حثه على التواجد في الصندوق وعدم تفويت فرصة الإدلاء بصوته، ومن هنا جاءت النسب عكس كل التكهنات التي كانت تراهن على غياب المواطنين. إن ما تحقق أول أمس لا يترجم في الواقع، سوى نقلة نوعية نحو ترجمة طموحات المواطنين الذين أدوا واجبهم بإخلاص واختاروا ممثليهم في المجالس البلدية والولائية عن قناعة، وكرسوا من خلال حسهم ووعيهم مبدأ الممارسة الديمقراطية كواقع حقيقي، حيث شكل اختيارهم الحر، خريطة مستقبل تنطوي على الآمال والتطلعات والاهتمامات وما اكثرها على المستوى المحلي. لكن ما يجب أن يدركه كل اولئك الذين فازوا بثقة المواطن في هذه الاستحقاقات، هو أن الحمل ثقيل والامانة اثقل والله هو الرقيب، وما عليهم إلا أن يستخلصوا العبرة من فشل أو نجاح الذين سبقوهم للمجالس البلدية والولائية المنتهية ولايتها، وعليهم ألا ينظروا إلى ما بين أرجلهم فقط، فالنضال دوام والمسؤولية قد تنتهي لكثير منهم في ظرف أعوام، ولا عذر لمن تنكر منهم لوعوده أو أغلق أبواب مكتبه في وجه مواطني بلديته، بتقديم الاعذار والمبررات، باعتبار ان معركة البلديات، هي محطة سياسية بين المواطن وبين هذه النواة التي انتخبها بنفسه وبإرادته وقناعته الحرة، وهو الوحيد المخول له محاسبتها وتوبيخها إذا انحرفت عن مسار تطبيق ما وعدت به.