غالبًا ما يتهم بعض الآباء أبناءهم المراهقين بالأنانية واللامبالاة، وبأنهم لا يفكّرون إلا في أنفسهم، ولكن قد يكون هذا الاتهام ظالما، فليس صحيحاً أن يكون الأبناء أنانيين وليس صحيحًا أنهم لا يقدّرون ما يقوم به الآباء من أجلهم، والصحيح أن الأبناء في مراحل أعمارهم الأولى والثانية قد يكرّسون أنفسهم للبحث عن هويتهم المستقبلية في خضم زخم المتغيرات الكثيرة التي يعرفها المجتمع الجزائري، فقد يميل المراهقون أحيانا إلى الاستقلال الذاتي، وقد يبدو عليهم أحياناً عدم الاهتمام بما يحدث ضمن إطار العائلة، ولكن الحقيقة أن غالبيتهم لديهم قلق مما يحدث حولهم سواء ضمن أسرهم أو حتى في مجتمعهم عامة، وهذا يفسر حضور الكثير منهم في الأعمال التطوعية بغرض المساهمة في التخفيف من ضغوطات الحياة عموما... الصحيح أن أنانية المراهق مرحلة عابرة، وهي مظهر من مظاهر بناء هويته الخاصة، وإطلاق بعض الأهل على أبنائهم المراهقين طوال الوقت وصف الأنانيين أو ناكري الجميل، قد يجعل هؤلاء الأبناء يشعرون بالضيق وضرورة التحرر من وطأة هذه الصفة، وقد يكون ذلك بالتمرد أو العصيان أو حتى الهروب، وهنا قد تأخذ المشكلة أبعادا أخرى لا تحمد عقباها..وبهذا قد يخاطر الأهل إراديًا برأسمالهم وهو ”أولادهم”، فيجنون فوائد تربيتهم التي تكون إما راشدًا يعيش تحت وطأة الذنب وبالتالي لا يستطيع المضي قدمًا في حياته بعيدًا عن سلطة أهله لأنه لا يريد أن يكون ناكرًا للجميل، وإما راشدًا طفح به الكيل فذهب إلى أبعد الحدود في الابتعاد عن أهله وسلطتهم، ويتصرّف حيالهم كأنهم ليسوا موجودين. الأبناء عموما يعترفون في أعماق أنفسهم بفضل آبائهم عليهم وإن كان لا يظهر هذا الاعتراف بشكل علني ومستمر، فكلمة ”شكرًا” حين يقولها مراهق لوالده وإن بدت بسيطة فهي تبعث برسالة إلى الأهل مفادها أنني أقدّر لكم ما تقومون به لأجلي، فهل يتمكن الآباء من فهم هذا والتصرف وفقه؟