استفاقت باريس بكثير من التحسر على تخاذل حلفائها الأوروبيين لدعمها في حربها ”ضد الإرهاب” في مالي وهي التي كانت تراهن على دعم عواصم الاتحاد في تحركها بعد أن أكدت أن الإرهاب لا أحد في منأى عنه. وخاب الظن الفرنسي بعد أن شعرت باريس أنها ضربت في الظهر بسبب مواقف أوروبية ”متخاذلة” لم تخرج عن دائرة تقديم وعود لا تتعدى الدعم اللوجيستي والصحي والإنساني مع أن الحاجة ملحة لدعم بقوات برية قادرة على مواجهة الموقف. وهي الحقيقة المرة التي استفاق عليها الرئيس فرانسوا هولاند الذي كان يعتقد أن تحركه سيحظى بتأييد عالمي ”ملموس” مادام يدافع عن عقيدة تخدم الأمن العالمي. ورغم أنه ضمن مشاركة القوة الإفريقية التي وعدت بها دول منظمة ”الايكواس” إلا أنه في خلجات نفسه كان يأمل في دعم عسكري أوروبي ولم لا أمريكي حتى يتقاسم معها العبء ويخفف عن نفسه ضغوطا داخلية مرشحة لأن تتزايد كلما تعفن الوضع وفقدت طلائع الجيش الفرنسي سيطرتها على وضع أعطى الاعتقاد أنه متحكم فيه. وعندما أنب الرئيس الفرنسي نظراءه الأوروبيين بطريقة دبلوماسية فإنه في الواقع كان يضع بين عينيه انهيار نظرية ”صفر ضحية” التي رفعها شعارا لاقناع الشعب الفرنسي بعملية التدخل العسكري على اعتبار أن القوة الإفريقية هي التي كانت معنية مبدئيا بالقتال الميداني. ولكنه بمجرد أن كشف عن إرسال آلاف الجنود الإضافيين الذين سيصلون تباعا إلى المستنقع المالي تيقن معها أن سقوط قتلى في صفوف وحدات جيشه سيجعل الرأي العام الفرنسي يعيد حساباته وربما تشكيل جبهة معارضة لما يجري في مالي. ويجهل ما إذا كان الرئيس الفرنسي وضع في حساباته التهديدات الإرهابية التي قد تطال ”قلب فرنسا” وبالتالي نقل الرعب إلى أوساط شعبه وكذا مصير الرهائن الفرنسيين والغربيين الواقعين بين أيدي تنظيمات إرهابية لن تتوانى لحظة في إعدامهم ضمن ورقة ضغط قائمة لضرب الموقف الفرنسي وتشتيته وربما جعل الرئيس الفرنسي يعيد حساباته في عملية لم يقدر تبعاتها الآنية والمستقبلية.