يشيع، بعد ظهر اليوم، بمقبرة العالية بالعاصمة، جثمان المجاهد أحمد محساس الذي وافته المنية صباح أمس بالمستشفى العسكري بعين النعجة إثر مرض عضال، عن عمر يناهز 90 سنة أفناها في خدمة الجزائر وفي النضال الوطني، ملتزما بمنهج الوفاء لرسالة نوفمبر ولتضحيات الشهداء. وقد عرف المجاهد الراحل، المدعو علي محساس، بكونه مفكرا ملتزما وأحد أبرز رموز الثورة التحريرية المجيدة، حيث بدأ النضال مبكرا في صفوف الحركة الوطنية، واعتقله الاستعمار الفرنسي مرات عديدة بسبب نشاطه السياسي، كما أنه تقلد مناصب مسؤولية في حزب الشعب الجزائري وشارك في تنظيم وهيكلة الحزب. وكان للمجاهد الراحل دور فعال في إنشاء المنظمة الخاصة التي كان أحد أعضائها القياديين، واعتقلته السلطات الاستعمارية في 1950 وسجن رفقة أحمد بن بلة في البليدة قبل أن يتمكنا من الفرار. وتميز الالتزام النضالي للمرحوم أحمد محساس بالاستمرارية والتعلق بالمبادئ المؤسسة للتيار الثوري الجزائري وعرف الرجل بنشاطه وإيمانه القوي بعقيدته. وقد ولد المرحوم في 17 نوفمبر 1923 ببودواو ببومرداس وسط عائلة ريفية، ويعتبر مناضلا من الرعيل الأول، حيث تحلى بروح وطنية كبيرة منذ سن ال16 حينما انضم لحزب الشعب الجزائري في سنة 1940. وكان المناضل قائدا لولاية بقسنطينة وعضوا بلجنة التنظيم لحزب الشعب الجزائري قبل أن يتم انتدابه بالمنظمة شبه العسكرية (المنظمة السرية). كما كان وراء إنشاء النواة الأولى لجبهة التحرير الوطني بفرنسا سنة 1953 ليتم تعيينه فيما بعد مندوبا سياسيا وعسكريا لمنطقة الشرق الجزائري وعضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية. وعارض الفقيد نتائج مؤتمر الصومام، وتم توقيفه في تونس قبل أن يلجأ إلى ألمانيا، حيث بقي هناك إلى غاية 1962. وبعد الاستقلال، شغل عدة مناصب عليا في الدولة منها مدير صندوق الحيازة على الملكية والاستغلال الريفي ومدير الديوان الوطني للإصلاح الزراعي ثم وزيرا للفلاحة والإصلاح الزراعي. وفي 20 سبتمبر 1964 تم انتخابه نائبا للجزائر العاصمة ثم عضوا في المكتب السياسي واللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني وعضوا في مجلس الثورة. وفي 1966 لجأ إلى فرنسا ليعود إلى أرض الوطن سنة 1981، حيث تولى منصب مستشار بالشركة الوطنية للنشر والتوزيع وأنشأ اتحاد القوى الديمقراطية في إطار تكريس التعددية الحزبية سنة 1989. في حين عين الفقيد في جانفي الفارط ضمن الثلث الرئاسي بمجلس الأمة. وترك المجاهد الراحل أحمد محساس عدة مؤلفات منها ”التسيير الذاتي في الجزائر” و«الجزائر، الديمقراطية والثورة” و«الحركة الثورية في الجزائر”. وعلى إثر الفاجعة التي ألمت بالجزائر في فقدان المجاهد والمفكر أحمد محساس بعث رئيس مجلس الأمة، السيد عبد القادر بن صالح، برقية تعزية لعائلة الفقيد أكد فيها بأن الفقيد يعد ”أسوة في التضحية ومثالا في الوطنية ورمزا في الوفاء لرسالة نوفمبر الخالدة”. واعتبر رئيس مجلس الأمة رحيل الفقيد محساس ”لحظة أخرى من تلك اللحظات الموجعة التي تفقدنا وجوها بارزة وأسماء ثقيلة وأرصدة نفيسة في مسار الحركة الوطنية وثورة التحرير المجيدة”، مذكرا بأن الفقيد كان من رواد الحركة الوطنية ومن الأوائل المفجرين لشرارة حرب التحرير. وأشار السيد بن صالح إلى أن الأجيال عرفت في الفقيد ذلك ”المجاهد المعتد الشامخ بما تيسر له من مساهمات جليلة في النضال الوطني والجهاد التحرري”، مذكرا بالمرحلة التي أمضاها المرحوم كعضو بمجلس الأمة ضمن الثلث الرئاسي”، حيث عرف بالتزامه وكان محل تقدير وإكبار مستحق نصغي إليه بتجلة وإكرام ونستزيد مما يجود به من استحضار مشرق لصفحات من تاريخ ثورتنا المظفرة”. واعتبر رئيس مجلس الأمة المرحوم مصدر إلهام لما تحلى به من قوة معنوية دافعة، قائلا بأن هذه القوة هي نفسها التي حرص جيل المجاهدين الأصفياء على إذكائها في النفوس لتجاوز الصعاب وخوض التحديات الوطنية الراهنة. وأعرب السيد بن صالح لأسرة الفقيد عن بالغ حسرته وعميق أساه لرحيل المجاهد محساس ”الذي تفقد الجزائر بوفاته أحد الرواد الثوريين الأبطال”. من جهته، أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد محمد العربي ولد خليفة، في برقية تعزية إلى عائلة الفقيد، أن الجزائر فقدت بوفاة المجاهد أحمد محساس ”رمزا من رموز النضال الوطني وأحد المساهمين بتفان وإخلاص في الإعداد لثورة غرة نوفمبر المظفرة”. وذكر السيد ولد خليفة بأن المرحوم كان ”طوال مساره وفيا للمبادئ، محبا لوطنه ملتزما بمنهج الوفاء لتضحيات الشهداء الأبرار”. من جهته، وصف الوزير الأول، السيد عبد المالك سلال، الفقيد أحمد محساس ”بالرجل الكبير” بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وذلك في برقية تعزية بعث بها إلى أسرة فقيد الجزائر قائلا: ”لقد تلقيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة المجاهد الكبير والمناضل الفذ من أجل القضية الوطنية السيد أحمد محساس رحمه الله وطيب ثراه وأفاض على روحه مغفرة وثوابا”. مضيفا: ”إنها لحظة عصيبة وخطب جلل أن تفقد الجزائر هذا الرجل الكبير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى كبير في نضاله وجهاده من أجل استرجاع استقلال الجزائر وسيادتها على أرضها وكبير في الوفاء للرسالة النوفمبرية وتضحيات الشهداء الأبرار وبقي كبيرا في مسيرة البناء والتشييد بمساهماته ومواقفه الثابتة إلى أن قضى الله أمره فاختاره إلى جواره لينعم بالراحة الأبدية”. وأضاف ”بهذه المناسبة الأليمة التي شاء فيها القدر أن يغيب عنا مرة أخرى قامة من قامات الجزائر العظام فإنه لا يسعني إلا أن أشاطركم الأحزان والآلام في هذا المصاب الجلل وأن أتقدم لكم وإلى كافة أسرة الفقيد وذويه ومن خلالكم إلى كل الأسرة الثورية بخالص عبارات العزاء وأصدق المواساة والتعاطف”. كما بعث وزير الفلاحة والتنمية الريفية، السيد رشيد بن عيسى، برقية تعاز باسمه وباسم كافة إطارات الوزارة إلى عائلة الفقيد محساس، مذكرا بأن الراحل كان من بين الأوائل الذين تولوا تسيير هذا القطاع الحيوي بعد الاستقلال.