وضعت السلطات الانتقالية في تونس أول خطوة على طريق الخروج من المرحلة الانتقالية، بعد أن حددت تاريخ 27 أكتوبر القادم لتنظيم الانتخابات العامة التي ستفرز برلمانا تعدديا منتخبا بصفة ديمقراطية. ويأمل عامة التونسيين أن تكون هذه المواعيد بمثابة بداية النهاية لحالة الانسداد السياسي الذي دخلته تونس منذ السادس فيفري الماضي بعد اغتيال شكري بلعيد أحد وجوه المعارضة اليسارية، والتي شكلت القطرة التي أفاضت كأس الأزمة الكامنة في المشهد السياسي التونسي. ولكن هذا الأمل يبقى معلقا إلى حين ما لم تتمكن الطبقة السياسية التونسية من التوصل إلى أرضية توافقية بينها حول طبيعة ومضمون دستور البلاد الجديد الذي سيعرض على المجلس التأسيسي”البرلمان” الحالي في تونس، حيث سيكون تاريخ السابع والعشرين من الشهر القادم بمثابة أول امتحان لحكومة علي العريض الجديدة لاجتياز أول قضية يتعامل معها. والحقيقة أن الأزمة السياسية في تونس كانت تتفاعل في مشهد سياسي متململ، على خلفية المرجعية الفكرية والدينية التي يتعين على واضعي الدستور التونسي الجديد اعتمادها، وخاصة بعد فوز حركة النهضة بقرابة نصف المقاعد النيابية في المجلس التأسيسي، الذي يؤهلها لتمرير مضمون وثيقة الدستور الجديد وفق الوجهة التي تريد رغم المعارضة الشديدة التي أبدتها أحزاب المعارضة العلمانية وجمعيات المجتمع المدني المنتمية إلى هذا التيار، والتي رفضت بشكل قطعي كل فكرة لاعتبار الإسلام مصدر من مصادر التشريع في تونس. ولذلك فإن اغتيال المعارض شكري بلعيد لم يكن سوى فتيل أزمة كانت مهيأة للاشتعال في أية لحظة، ولم تكن تلك الجريمة إلا الشرارة التي أشعلت غضب الشارع التونسي وكانت كافية للإطاحة بأول حكومة تقودها حركة النهضة برئاسة أمينها العام حمادي الجبالي. ويبقى هذا الحزب والأحزاب السائرة في نفس نهجه الإيديولوجي والأحزاب اللائكية تترقب هذا تاريخ (السابع والعشرين) أفريل القادم ولكل إستراتيجيته ”الهجومية” لتمرير موقفه أو على الأقل تمرير ما يمكن تمريره من أفكار تدافع عن منطلقاته الفكرية. ويمكن القول أن حركة النهضة عندما أرغمت على التنازل عن حقائب وزارات السيادة، إنما أرادت أن تلين موقفها حتى تتفادى رياح إعصار المعارضة، وبالتالي الانكسار الأكيد، وأهّلها ذلك لأن تحتفظ بأوراق رابحة أخرى في صراعها السياسي مع الأحزاب المناوئة لها، تحسبا لمعركة الدستور الكبرى التي ينتظر أن تحتدم خلال الأشهر القادمة. وسيكون مقر البرلمان التونسي مسرحا لصراع سياسي وساحة استقطاب للنواب، على اعتبار أن القانون التونسي ينص على المصادقة على كل مادة من مواد الدستور واحدة بواحدة وبالأغلبية المطلقة قبل التصويت على النص الدستوري في مجمله بأغلبية ثلثي النواب، وفي حال استحال تحقيق هذا النصاب، فإن الحكومة ستكون مرغمة على عرض الوثيقة على استفتاء شعبي عام. وتجد حكومة علي العريض وزير الداخلية السابق في حكومة حمادي الجبالي نفسها في سباق مع الزمن لاستصدار هذه الوثيقة بسبب فشل السلطات التونسية في الخروج من المرحلة الانتقالية، حيث كان من المفروض المصادقة على الدستور الجديد شهر أكتوبر الماضي عام بعد التصويت على المجلس التأسيسي.