بدأت ساحة الإنتاج السينمائي الجزائري تنتعش وتجد لنفسها جيلا جديدا من المخرجين الشباب الذين يحاولون السير بخطى ثابتة في هذا المجال رغم المشاكل العديدة وخاصة نقص التكوين، إذ احتضنت قاعة "الموقار" أوّل أمس العدد الرابع من "نادي السينما" الذي شهد هذه المرة عرض خمسة أفلام قصيرة شكّلت باكورة أعمال مجموعة من المخرجين الشباب الذين ولجوا عالم الفن السابع سواء بالصدفة أو لملء الفراغ أو بالوراثة. العمل الأوّل الذي قدّمه النادي كان فيلم "الفضولي" لسمير علان، الذي دخل عالم السينما بالصدفة بعد أن شكّل المسرح اهتمامه الأوّل وذلك من بوابة التمثيل أوّلا عبر فيلم "ما شاهو" لبلقاسم حجاج، قبل أن يخوض عالم الإخراج كمساعد أوّلا ثم يفكّر في إخراج عمل خاص به ويخوض التجربة عبر "الفضولي" الذي استمد قصته من نكتة شعبية معروفة والتي تتحدّث عن شخص فضولي سكن حديثا بأحد العمارات وكان كلّما دخل العمارة يسمع صوتا يردّد "10، 10 ..."، ورغم تحذيرات احدى الجارات التي تضع ضمادة على عينها، يسعى الساكن الجديد إلى معرفة مصدر الصوت فيتوقّف عند كلّ أبواب العمارة، وعندما يصل إلى الباب الذي تنبعث من ورائه الأصوات، وبمجرد وضع عينه في ثقب الباب يتراجع متألما، وهنا تخرج الجارة وهي تقول" الشه حذرّتك" والأصوات من خلفها تعد "11،11 ...". ورغم أنّ موضوع الفيلم ليس جديدا إلاّ أنّ المخرج وفّق إلى حد ما في تقديمه سينمائيا من خلال جعل المشاهد فضوليا في معرفة سبب الأصوات المتعالية، كذلك أداء الممثلين بدا مقنعا رغم أنّ أغلبهم يقف للمرة الأولى أمام الكاميرا، وزاد اعتماد المخرج الشاب الترجمة السفلية للفيلم الذي جاء باللغة الامازيغية من اهتمام المشاهد. ثاني عمل كان لحسن تواتي "الحراقة"، الذي عرض في مناسبات عدّة، تناول من خلاله أحد أهمّ الإشكالات المطروحة اليوم وهي الهجرة غير الشرعية للشباب من خلال قصة مجموعة من الشباب الذين يحاولون التسلّل إلى الميناء ودخول أحد الحاويات من أجل الوصول إلى الباخرة المغادرة باتجاه أوربا، ورغم مأساوية الموضوع سعى المخرج الشاب إلى تقديمه في قالب فكاهي خفيف مبيّنا الطرق التي يعتمدها الشباب من أجل "الحرقة" لكنّه أهمل بالمقابل إبراز الأسباب التي أدّت لهذه الظاهرة. ثالث عمل قدّم خلال هذه الجلسة هو "نوافذ العاصمة" لحسان فرحاني، الذي أكّد بأنّ حبّه للسينما جاء من فرط مشاهدته للأفلام التي كان يملئ بها فراغ وقته، ليطرح فكرة متميّزة عبر عمله الأول "نوافذ العاصمة" الذي سعى من خلاله إلى إبراز الفرق بين العالم الداخلي "المنزل" والعالم الخارجي "الشارع" والاختلاف الذي يخلقه الجدار الفاصل بينهما، من خلال تصوير مختلف منازل العاصمة ومحاولة نقل الحوارات التي قد تحدث وراء جدرانها. أمّا العمل الرابع الذي قدّمه الممثل خالد بن عيسى كأوّل تجربة إخراجية له بعد مشاركة في العديد من الأفلام على غرار "المنارة" لبلقاسم حجاج، "دوار النساء" لمحمد شويخ .. هو "خلايع" وهو عمل بسيط لكنه ذكيّ طرح على خلفية حلم مزعج إشكالية الإدمان على ألعاب الفيديو من طرف الأطفال، وآخر عمل قدّمه المنتج والمخرج يحيى مزاحم بعنوان "البرتقالة" الذي هو عمل فكاهي بالأساس يحمل رسالة دلالية مفادها أنّ العنف لا ينتج إلاّ العنف والصراع الذي قد يبدأ لأسباب تافهة وقد يؤدي إلى نتائج وخيمة. لكن رغم جمالية الفكرة ووجود قدرة كامنة عن التعبير السينمائي وتحويل القصة إلى صورة فيلمية لدى أغلب الشباب المشاركين، غاب التحكّم في التقنية السينمائية الناجم أساسا عن غياب التكوين وقلة التجربة، ذلك لأنّ مهنة الإخراج لا تأتي من فراغ وإنما تبدأ عبر مراحل أولها التكوين والتمثيل وآخرها مساعد مخرج قبل خوض غمار الإخراج، والقفز على هذه المراحل لن يفيد الشباب كثيرا.