استوقف الجزائريين أمس تاريخ الثامن ماي، الذي تعود ذكراه الثامنة والستون التي ترسخت في ذاكرة الجزائريين لفظاعتها من جهة، وبفضل جهود المؤرخين ممن كرسوا حياتهم لتخليد مثل هذه الأحداث التاريخية، منهم الفقيد بشير بومعزة، الذي عمل من خلال مؤسسة جمعية 8 ماي 1945، على فضح بشاعة المستعمر عبر مختلف المراحل التاريخية التي عاشها قبل اندلاع الثورة وأثناءها، وبالخصوص أحداث 8 ماي 1945، التي ترسخت في ذاكرته وهو ابن خراطة التي كانت في قلب هذه المجازر التاريخية. وقد عاد أمس الفقيد بشير بومعزة خلال ندوة نظمتها جمعية مشعل الشهيد، ليتحدث عن الثورة وتاريخ الحركة الوطنية على لسان من عايشوه ونهلوا من ذاكرته التي احتفظت بتفاصيل دقيقة عن مراحل مختلفة من تاريخ الجزائر المعاصر، فكانت المناسبة فرصة للذكرى ولتكريم الفقيد من خلال إبراز جوانب من حياته، منوهين بدوره في الحفاظ على الذاكرة الوطنية من خلال تأسيسه لجمعية 8 ماي 1945، التي سلطت الضوء على تفاصيل هذه الذكرى الأليمة على الجزائريين والعار على الفرنسيين. وقد أبرز مدير الأرشيف الوطني عبد المجيد شيخي في تدخله، أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية، داعيا الشباب إلى "الاهتمام بتاريخ الجزائر والتشبع بمآثر الأبطال والرجال الذين صنعوه بتضحياتهم ومواقفهم"، مؤكدا أمام طلبة ثانويتي عقبة وفرانس فانون، أن ذاكرة الجزائر يجب أن تبقى حية من خلال العمل على جمع شتات المعارف والمعلومات عن تاريخ الجزائر ودحض الادعاءات التي تروّج عن أن بلادنا استحدثتها فرنسا، وأنها مجهولة الأصل، وهي مغالطة يجب التصدي لها. ودعا السيد شيخي الشباب إلى ضرورة العمل على تغذية الذاكرة الجماعية للجزائريين؛ لأن ذلك يزيد من حب الوطن والاعتزاز به والرفع من شأنه، مضيفا بأن مجازر 8 ماي ورغم بشاعتها كونها سجلت آلاف القتلى في وقت قياسي لا يتعدى الأيام فقط، إلا أن السجل الدموي يحفظ لفرنسا قيامها بما يقل عن السبعة ملايين جزائري في 30 سنة فقط، وهي الفترة الممتدة بين 1830 و1860 دون الحديث عن المليون ونصف المليون شهيد الذين سقطوا إبان حرب التحرير. من جانبه، تطرق المجاهد مخلوف عوني، وهو رفيق الفقيد، للمسيرة النضالية لبومعزة بداية من مرحلة الدراسة، مرورا بنضاله في حزب الشعب، ثم في الثورة التحريرية، وصولا إلى المناصب السياسية التي تقلّدها بعد الاستقلال، فيما نوّه المجاهد عبد الحفيظ أمقران بخصال المرحوم بومعزة وارتباطه بالعمل الوطني منذ نعومة أظافره في الحركة الوطنية، ثم في الثورة التحريرية (1954-1962)، واصفا إياه ب "الرجل العظيم في نضاله وكفاحه". كما تطرق السيد عبد الحفيظ أمقران لفضل الرجل في تأسيس جمعية الثامن ماي 1945، التي أخذت على عاتقها مهمة الحفاظ على ذاكرة الشعب الجزائري في واحدة من أهم المحطات التاريخية، التي أسهمت في إشعال ثورة الفاتح نوفمبر، مذكرا بأن إقدام فرنسا على ارتكاب جرائم الثامن ماي 1945 كان بهدف "إجهاض حركة أحباب البيان وما كانت تحمله من آمال في التحرر والانعتاق". للإشارة، فقد تم خلال هذه الندوة تكريم عائلة المرحوم بومعزة ممثلة في شقيقته، علما أن الفقيد وُلد يوم 26 نوفمبر 1927 بخراطة وتوفي سنة 2009، وقد تقلّد غداة الاستقلال عدة مناصب في هرم الدولة منها وزير العمل والشؤون الاجتماعية في أول حكومة للجمهورية الجزائرية عام 1962، ثم وزير للاقتصاد الوطني (1963)، ووزير للصناعة والطاقة (1964-1965)، ووزير للإعلام (1965 -1966)، كما تقلد الراحل منصب رئيس مجلس الأمة بين جانفي 1998 وأفريل 2001.