أجمع المتدخلون في اليوم الثاني من الملتقى الدولي حول الإصلاحات في الجزائر، على ضرورة أن تراعي التعديلات الدستورية تطلعات الشعب نحو التغيير وتحسين الإطار المعيشي العام، وأبرزوا في هذا السياق أهمية التأثيرات التي أحدثتها الثورات العربية في سنة 2011، والتي أكدت ضرورة إحداث القطيعة مع الوضع العام الذي كان سائدا في السابق، معتبرين الإصلاح حاجة طبيعية يمليها تغير العقليات من جهة، ووجوب تجديد العقد الاجتماعي بين الاجيال المتعاقبة من جهة أخرى. وفي هذا الإطار، أشار المحلل السياسي، محمد بن سلطان، في محاضرة حول الإصلاحات الدستورية إلى أن الإصلاحات في الجزائر بدأت بعد أحداث أكتوبر 1988 وتكرست في دستور 1989 الذي شمل حسبه 3 مستجدات تمثلت بداية، في التنصيص على البسملة (بسم الله الرحمان الرحيم) التي تم إدراجها لأول مرة، ثم تكريس الانفتاح الذي تم لأول مرة أيضا بموجب التعديل الدستوري لنوفمبر 1988، حيث كان دستور 1976 برأي المحاضر دستورا مغلقا بالمادة 195 منه، قبل أن يتم تكسير قفله في التعديل الدستوري ل1988. واعتبر السيد بن سلطان هذا الأخير أحسن الدساتير الجزائرية، "لأن مادته الخامسة في الفقرة 4 نصت على إمكانية لجوء رئيس الجمهورية إلى الشعب في كل قضية وطنية هامة، لترفع بذلك المحرمات التي تضمنها الدستور السابق ويتم بذلك فسح المجال لدستور تعددي تمت صياغته في فيفري 1989". وبعد أن أشار إلى أن بقاء بعض آثار النظام الاشتراكي، في دستور 1989 أمرا طبيعيا على اعتبار أن الدولة الجزائرية هي دولة تقوم على توزيع الدخل، أكد المحاضر بأن تركيز دستور 1996 على دعم الاستقرار والأمن "حتى على حساب بعض الحريات"، كان أمرا منطقيا بعد الأزمة الأمنية والسياسية التي عرفتها الجزائر، ولذلك أقر دستور 1996 تأسيس غرفة برلمانية ثانية لتعزيز الدور الرقابي للسلطة التشريعية. كما سجل المتدخل بأن التعديل الدستوري لسنة 2008 كرس الممارسة الدستورية، غير أنه تبين بعد ذلك لرئيس الجمهورية بأن هناك انسدادا سياسيا وكان من الطبيعي بناء على ذلك التحرك باتجاه إصلاحات سياسية أعمق، مشيرا إلى أن الدستور يتضمن ثوابت لا يمكن تغييرها وتشمل مقومات الأمة والمجتمع، ونظام الحكم المتمثل في الجمهورية، وكذا الالتزامات الدولية للدولة، فيما تشمل المتغيرات التي يجوز تعديلها كل النصوص التي تسمح بتجديد العقد الاجتماعي بين الأجيال المتعاقبة. ولفت الانتباه إلى وجود خلط في الحديث عن طبيعة النظام السياسي بين الرئاسي أو البرلماني، وأشار إلى أنه لا يوجد أي دستور معاصر في العالم ينص في مواده على طبيعة النظام، لأن هذا الأخير يحدد وفقا لتقسيم كل دولة للحكم بالشكل الذي يتلاءم مع محيطها في فترة معينة، مقترحا في سياق التعديل الجاري مراعاة إضفاء خاصية التلقائية في عمل الهيئات التشريعية النافذة على غرار اللجان البرلمانية متساوية الأعضاء التي ينبغي لها - يضيف المتحدث- أن تكون لها سلطة التحرك دون انتظار الإيعاز من أية جهة. كما شدد على ضرورة أن يكون البرلمان معززا بمعارضة قوية ولها مكانة مرموقة تضمن التداول الديمقراطي على السلطة. من جهته، أوضح الدكتور مسعود شعنان في مداخلة حول التحولات السياسية في الدول العربية، أن ما عرفته هذه الدول بما فيها الجزائر لا يمكن اعتباره انتقالا ديمقراطيا وإنما تحولا ديمقراطيا، مشيرا إلى أن الجزائر دخلت هذا التحول في 1989 لكنها لم تصل بعد إلى الانتقال الديمقراطي، غير أنه سجل في المقابل بأن الأمر المتفق عليه على مستوى كافة الدول العربية، بما فيها تلك التي لم تشهد انتفاضات هو عدم الرجوع إلى الوضع السائد قبل 2011، ولذلك أصبحت كل الأنظمة العربية -حسب المتحدث- متخوفة وتسارع إلى وضع البدائل لإرضاء الشعوب التي انتصرت من جهتها على الخوف وتنامى لديها الشعور بالحرية. أما البرلماني مسعود شيهوب، أستاذ القانون العام بجامعة قسنطينة، فاعتبر في مداخلة حول قوانين الإصلاح السياسي في الجزائر ودورها في تكريس الديمقراطية، أن النصوص التشريعية في الجزائر كرست حماية مبادئ الديمقراطية والحرية مقارنة بنظرائها في دول العالم الثالث وبعض الأنظمة العريقة في الديمقراطية "إلى درجة أن بعض السياسيين في الجزائر راحو يشتكون من الإفراط في الديمقراطية والتسامح التشريعي الزائد"، الأمر الذي أدى في نظر المتحدث إلى طرح مسألة ترشيد الممارسة الديمقراطية بجد، ولا سيما بعد انعكاسات أزمة التسعينيات. وبرأي المحاضر، فإن تعميق المسار الديمقراطي وعقلنته في إطار برنامج الإصلاح السياسي المعلن من قبل رئيس الجمهورية والذي شمل مراجعة كلية للقوانين المنظمة للنشاط السياسي، يهدف إلى تنقيح التجربة نحو الأفضل وتعميق الممارسة الديمقراطية، ولذلك تطلب الأمر في المقام الأول -يضيف المحاضر- مراجعة قانون الأحزاب وقانون الانتخابات وكذلك مراجعة قانون الإعلام وقانون الجمعيات غير السياسية ثم سن قانون توسيع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة. وأشاد برلمانيون من الدول المشاركة في الملتقى الدولي، بمسار الإصلاحات السياسية والتشريعية الجارية في الجزائر، حيث أكدت ممثلة البرلمان الإيطالي، دبورا بيلقاميني، دعم بلادها لهذه الإصلاحات، ونوهت بتفتح الجزائر على النقاش مع كل شركائها واستعدادها الدائم للحوار مع إيطاليا وكل بلدان الاتحاد الأوروبي ودول حوض المتوسط. كما أعربت عن إعجابها بالبرلمان الجزائري الممثل بكل أطياف المجتمع المدني على حد تعبيرها، مثمنة تعزيز وجود المرأة في الهيئة التشريعية بالجزائر بحصة تفوق 30 بالمائة، واعتبرت ذلك مؤشرا هاما على نجاح التجربة الديمقراطية بالجزائر، "يجعل البرلمان الجزائري قادرا على أداء دوره في ورشات الإصلاح السياسي دون اللجوء إلى نماذج أجنبية أو تجارب مستقدمة من الخارج". من جهتها، أبرزت عضوة المجلس التأسيسي التونسي، حنان الساسي، أهمية موضوع الإصلاحات السياسية في الجزائر، الذي أضحى يمثل أولوية الأولويات في ظل التحولات العميقة التي عرفتها بعض الدول العربية، لا سيما وأن هدفها الأساسي يرمي إلى توسيع إشراك فعاليات المجتمع في السلطة وتعزيز الممارسة الديمقراطية والاستقرار. وقدرت بأنه بغض النظر عن السؤال حول نجاح الإصلاحات من عدمه، فإن المهم هو وجود إرادة لدى القيادة وممثلي الشعب في إحداث التغيير. وتطرق الدكتور أمر الله ايشلر، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي، من جانبه، إلى تجربة بلاده في الإصلاح من أجل تعزيز الديمقراطية والتي انطلقت -حسبه- في سنة 2002، مع القيام بتعديل نصوص الدستور وبعض القوانين التركية، "ثم استمرت في 2010 من خلال تعديل 26 مادة من الدستور، وتتواصل حاليا من خلال تنصيب لجنة صياغة الدستور الجديد التي تم تشكيلها من 6 أعضاء، منهم 3 أعضاء يمثلون أحزاب المعارضة في تركيا"، وخلص المتحدث إلى أنه من خلال هذه التجربة تكون بلاده قد عاشت ربيعا ديمقراطيا في 2002، "لكن ليس في الشارع وإنما في صناديق الانتخاب"، مؤكدا بأن التغيير لا بد منه في أي نظام كان، لأن الظروف العامة تختلف والعقليات تختلف من قرن لآخر.