أغلفة مالية معتبرة لتطوير البنى التحتية لتوفير الماء وتنويع الإنتاج أولت الحكومات المتتالية اهتماما بالغا لقطاعي الفلاحة و الموارد المائية، بهدف ضمان الأمن الغذائي، وذلك من خلال اقتراح العديد من البرامج التنموية ورصد أغلفة مالية معتبرة لإطلاق عدة استثمارات للرفع من قدرات الإنتاج الفلاحي وضمان توفير كميات إضافية من المياه الموجهة سواء للشرب أو للقطاع الفلاحي أو الصناعي، ورغم فشل بعض المشاريع في وقت معين إلا أن الحكومة سعت في كل مرة إلى استدراك الأمر ليتم في نهاية المطاف حل العديد من المشاكل المتعلقة بالعقار الفلاحي من خلال إطلاق مشروع الامتياز الفلاحي وهو القرار الذي لقي ارتياحا كبيرا من طرف المهنيين وأهل الاختصاص، في حين يتوقع الرفع من الحصص المخصصة من المياه للقطاع الفلاحي إلى 60 بالمائة بعد أن رفع احتياطي المياه المخزنة إلى قرابة 9 ملايير متر مكعب . وعرفت الجزائر خلال نصف قرن من الاستقلال اعتماد عدة سياسات لتنمية قطاع الفلاحة وحتى وإن لم تكلل جميعها بالنجاح لكنها جاءت لتؤكد على أهمية قطاع الفلاحة في الاقتصاد الوطني والتحديات الكبرى لضمان توفير الأمن الغذائي، فبعد استرجاع السيادة الوطنية، شرعت الجزائر في مسار طويل من الإصلاحات الفلاحية ابتداء من استرجاع الأملاك التي كانت بحوزة المعمرين لتوزع على من كان يطلق عليهم اسم "الخماسة"، وبالنظر إلى اختيار النظام الاشتراكي للاقتصاد الفلاحي خلال فترة ما بعد الاستقلال تم إطلاق الثورة الزراعية بين سنوات 1971 إلى 1979 من خلال تأميم كبريات الأملاك الخاصة والأراضي غير المستغلة ليتم فرض نظام التسيير الجماعي. وتميزت تلك الحقبة بإنشاء مؤسسات جديدة للبحث والإعلام والإرشاد الفلاحي فضلا عن تطوير المنشآت والتجهيزات القاعدية في الوسط الريفي، لتتم مرافقة تلك السياسية بشعار "الأرض لمن يخدمها"، غير أن الثورة الزراعية لم يكن لها ذلك الأثر الثوري المرجو ألا وهو تحويل العالم الفلاحي والريفي وإدماجه في مسار التنمية الاقتصادية، ليتم اقتراح إصلاحات جديدة بداية من سنة 1980 ليقترح إنشاء الغرف الفلاحية وتفكيك بعض المؤسسات العمومية وفي سنة 1992 تقرر تنظيم استشارة وطنية جمعت عمال القطاع وخبراء وجامعيين لاقتراح استراتيجية جديدة لتسيير القطاع الفلاحي، ليتم التأكيد لأول مرة على ضرورة تركيز دور إدارة الفلاحة على مهمتها الأساسية المتمثلة في التنظيم والضبط ومراقبة ودعم المنتجين، غير أن تلك التوصيات لم تجد طريقها للتطبيق بسبب الصعوبات المرتبطة بالأزمة المالية التي كانت تمر بها الجزائر في تلك الفترة. وقد سمح التحسن التدريجي للوضعية الأمنية في البلاد ابتداء مع نهاية 1999 وتعافي قطاع المال العمومي باعتماد مخطط وطني للتنمية الفلاحية والريفية (2000-2008)، وهو المخطط الذي خصصت له أغلفة مالية كبيرة تم توجيهها لدعم الاستثمار الخاص في المستثمرات الفلاحية والمناطق الداخلية، ليتم تدعيمه سنة 2004 باستراتيجية التنمية الريفية المستديمة بهدف إعادة بعث المناطق الريفية من خلال نشاطات اقتصادية وتثمين الموارد الطبيعية وإقامة علاقات جديدة بين القطاعين العام والخاص. وقد حرصت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية على ضمان توفير الأمن الغذائي من خلال تنفيذ برنامج التجديد الفلاحي والريفي الذي يرمي إلى تنفيذ تسيير جديد للقطاع تقوم على ثلاثة أسس الأسس تتمثل في تطوير النشاط الفلاحي في المناطق الريفية، برنامج تعزيز الإمكانيات البشرية والمساعدة التقنية، وهي الإستراتيجية التي خصصت لها ميزانية ب1000 مليار دج تمتد إلى خمس سنوات (2009-2014).
حل إشكالية العقار الفلاحي يعطي دفعا لتكثيف وتنويع الإنتاج إن قرار تسوية المسألة الشائكة المتعلقة بالعقار الفلاحي تصنف من طرف أهل الاختصاص من بين أحد الإنجازات الهامة لسياسة التجديد الفلاحي والريفي، وهو ما كرسه قانون التوجيه الفلاحي الصادر سنة 2008 من خلال اقتراح نظام الامتياز كطريقة مثلى لاستغلال الأراضي الخاصة بالدولة عوض قانون الانتفاع الدائم الذي صدر سنة 1987 والذي خلف استنزافا للإمكانيات الفلاحية بعد أن حولت الأراضي الفلاحية عن نشاطها الرئيسي. كما عرفت سنة 2011 اتخاذ إجراءات تحفيزية أخرى لإنشاء مستثمرات فلاحية جديدة ولتربية المواشي على أراض تابعة للخواص مع حل إشكالية توفير التمويل المالي عن طرق استحداث ثلاثة أنواع من القروض بدون فوائد، وهي التي تغطي نفقات توفير البذور والحرث والبذر طوال مراحل الانتاج ويتعلق الامر بقرض "الرفيق"، ليدعم بقرض "الفدرالي" بالنسبة للفلاحين الذي يتشاركون مع مهنيين لتطوير سلسلة الإنتاج الفلاحي وتنمية مجال الصناعات الغذائية، أما قرض "التحدي" فهو مخصص للمستفيد من قرار الامتياز الفلاحي ويسمح لهم بتهيئة الأرضي وتطوير استثماراتهم، وتم إرفاق هذه الآلية القانونية التي من شأنها تحسين الرؤية الضرورية لكل مشروع استثماري بتفعيل الديوان الوطني للأراضي الفلاحية الذي كان مجمدا منذ سنة 1996. وبهدف التحكم أكثر في سلسلة الإنتاج قررت وزارة الفلاحة تدعيم نشاط مختلف الشعب والفروع الفلاحية التي أكد عليها التجديد الفلاحي والريفي، وفي هذا الصدد تم تصنيف عشرين فرعا في خانة الشعب الإستراتيجية منها (الحبوب والبقول الجافة والحليب واللحوم الحمراء والبيضاء والبطاطا...)، وبالنظر إلى دورها في دعم الأمن الغذائي والإمكانات التي تتوفر عليها من حيث خلق القيمة المضافة تقرر اعتماد نظام لضبط الإنتاج الواسع الاستهلاك أطلق عليه نظام "سيربلاك". وتخضع تلك الفروع لمتابعة من خلال الإحصائيات الفلاحية في إطار عقود النجاعة المبرمة مع الولايات ال48، ويتم تسييرها عبر مجالس مهنية متعددة الأطراف يتمحور دورها الأساسي في تنشيط نشاط مختلف الفروع، وهو ما ساهم في زيادة حجم الإنتاج الفلاحي بنسبة 14 بالمائة في المتوسط خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
رهان توفير المياه معركة تسعى الحكومة إلى كسبها تسعى الجزائر، منذ الاستقلال، إلى كسب معركة ضمان توفير مياه الشرب والسقي رغم الطابع الجغرافي للجزائر الذي يقع ضمن المناطق شبه الجافة، مما جعل المنظمات العالمية تصنفها ضمن الدول التي تعاني من نقص الموارد المائية، وكانت نسبة المياه المخصصة للمواطنين مع مطلع الاستقلال لا تزيد عن 1500 متر مكعب لكل فرد في السنة لتتراجع سنة 1990 إلى 720 مترا مكعبا و680 مترا مكعبا في سنة 1995 و630 مترا مكعبا سنة 1998 وهي تقدر اليوم ب600 متر مكعب ومن المقرر ألا تفوق في أفق 2020 حوالي 430 مترا مكعبا، حسب توقعات منظمة الأممالمتحدة. ونظرا لأهمية توفير الموارد المائية لضمان التنمية المستدامة سطرت الدولة على مر الحكومات المتعاقبة عدة برامج تنموية لحشد الموارد التقليدية وغير التقليدية مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة وكل قطاع، ليتم إعداد عدة استراتيجيات لتحكم في تسيير الموارد المائية مع إنشاء هيئة خاصة تعني بتسيير السدود وهي مصلحة الدراسات العامة والأشغال الكبرى للري التي تغير اسمها بعد ذلك إلى الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات الكبرى، بالإضافة إلى الوكالة الوطنية للموارد المائية، والديوان الوطني للسقي الذي يعنى بتوفير المياه لقطاع الفلاحة. وفي سنة 1987 تمت مراجعة الخطة التنظيمية من خلال إنشاء عشر مؤسسات عمومية جهوية تغطي 22 ولاية و26 مؤسسة ولائية وابتداء من أفريل 2001 تم إسناد تسيير الماء إلى مؤسسة عمومية جديدة ذات طابع صناعي وتجاري هي مؤسسة "الجزائرية للمياه" وبالتالي اندمجت الهيئة الجديدة مع جميع المؤسسات الوطنية والجهوية المكلفة بتسيير خدمات الماء، ليتم ابتداء من هذه السنة تسطير استراتيجية جديدة ضمن السياسة الوطنية للماء ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية تتعلق بتحسين تجنيد الموارد، ضمان اقتصاد وحماية الماء، إصلاح إطار تسيير الماء. أما فيما يتعلق بالإنجازات فقد تم تسجيل قفزة نوعية في مجال المشاريع والتمويلات بفضل برنامج دعم النمو للفترة الممتدة ما بين 2005-2009 والذي خصص له غلاف مالي يفوق 200 مليون دولار موجهة لتجنيد حجم إضافي للمياه بقيمة 9ر2 مليون متر مكعب في اليوم، مع إنجاز 69 سدا ومضاعفة احتياطات الماء بثلاث مرات ليصل إلى 4ر7 ملايير متر مكعب سنة 2009 مقابل 5ر2 مليار متر مكعب سنة 2004، وبالإضافة إلى ذلك تم تدعيم نشاط الديوان الوطني للتطهير بهدف معالجة واسترجاع 600 مليون متر مكعب من مياه الصرف في السنة. وبعد خمس سنوات خصص البرنامج الجديد للاستثمارات العمومية الكبرى للفترة الممتدة ما بين 2010 و2014 مبلغا ماليا معتبرا يصل إلى 20 مليار دولار وهو البرنامج الذي يتضمن إنجاز عدة منشآت لجمع والتموين بالماء والتطهير والسقي، وفيما يخص تسيير توزيع إنتاج وتطهير المياه فقد تم تفضيل تصور التسيير المنتدب الذي أثبت جدارته في عدة دول متقدمة وتم التوقيع على أول عقد للتسيير المنتدب سنة 2005 مع المجمع الفرنسي "سوياز" الذي ساهم في السنة الموالية في إنشاء الشركة المختلطة بين القطاع العمومي والخاص الأجنبي "سيال"، الأمر الذي فتح شهية باقي المؤسسات الأجنبية للتنافس والظفر بصفقات مشابهة ليتم إنشاء كل من الشركة المختلطة الجزائرية الايطالية "اقبار" لإنشاء شركة "سيوز" بولاية وهران وشركة ثالثة بشراكة مع مؤسسة فرنسية "مياه مرسيليا" بقسنطينة ومن بين المشاريع الناجحة التي لجأت إليها الجزائر سنة 2001 إطلاق أشغال إنجاز 14 محطة لتحلية المياه البحر مع حلول آفاق 2014، وتعتبر محطة تحلية المياه بمنطقة الحامة بالجزائر العاصمة من بين أهم المشاريع التي دشنها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة سنة 2008، وهي التي سمحت بتحسين عملية التموين بمياه الشرب لكل بلديات العاصمة وكلفت الدولة 250 مليون دولار.
محطة تحويل الماء من عين صالح إلى تمنراست مفخرة الجزائر أطلقت الحكومة، ابتداء من 2002، دراسة لتحويل 600 مليون متر مكعب في السنة من المياه الجوفية من الصحراء نحو السهول الشمالية لتنمية الفلاحة وتحسين توزيع المياه الصالحة للشرب، وقد وضع رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بتاريخ السابع من جانفي 2008 حجر أساس المشروع ليتم تدشينه في أفريل 2011 بعد أن خصصت له ميزانية قدرت ب197 مليار دينار. ويمتد طول المشروع على مسافة 750 كلم من الأنابيب واستعملت لأول مرة 18 مضخة من الحجم الكبير بقوة 3750 حصانا لضخ المياه من عمق 600 متر، وهو المشروع الذي يضمن توفير 50 ألف متر مكعب من المياه الصالحة للشرب سنويا بمعدل توزيع يومي يقدر ب250 مترا مكعبا. بالموازاة مع المشروع، تم تجديد شبكة توزيع المياه لمدينة تمنراست القديمة من طرف المؤسسة الوطنية كوسيدار بداية بالخزانات إلى شبكات التوزيع التي تمتد على مسافة 377 كلم، وذلك بملغ يفوق 4 ملايير دينار جزائري .