يدخل مستقبل شبه جزيرة القرم، بداية من يوم غد، ساعة الحقيقة، من خلال استفتاء يحمل في طياته كل مخاطر انفلات الوضع الأمني في هذا الجزء من الأراضي الأوكرانية وأصبح نقطة خلاف جوهرية بين روسيا والدول الغربية. وبقدر ما يدنو موعد هذا الاستفتاء الذي يخير حوالي مليونين (2) من سكان هذه الجزيرة، تدنو معه درجة التوتر في علاقات روسيا والدول الغربية التي بدأت تضغط بشكل لافت في محاولة أخيرة لإقناع موسكو بإلقاء كل ثقلها لمنع تنظيمه. وتعتقد الدول الأوروبية ومعها الولاياتالمتحدة التي أيدت السلطات الانتقالية الجديدة في أوكرانيا أن ما قام به برلمان هذه الجزيرة التي تقطنها أغلبية روسية جاء بإيعاز من موسكو وبالتالي فإن مفتاح الحل يمر حتما عبر الكريملين. وهو ما يفسر اللقاءات والاتصالات المتلاحقة التي أجراها وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة مع نظيرهم الروسي، سيرغي لافروف، من أجل إقناع بلاده بضرورة عدم قطع شعرة معاوية بينهما من خلال تنظيم هذا الاستفتاء. وازدادت القناعة لدى الدول الغربية بأن تنظيم هذا الاستفتاء وتعبير سكان الجزيرة عن موقفهم بخصوص الانضمام إلى روسيا سيشكل سابقة في العلاقات الدولية ويجعل الاتحاد الأوروبي وروسيا على خط مواجهة جديد لا تقل سخونة الأوضاع في محيطه عن تلك التي عرفتها الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي. وفي نفس الوقت الذي أبقت فيه الدول الغربية باب الاتصالات الدبلوماسية مفتوحا فإنها شددت في المقابل اللهجة وراحت تحذر روسيا من مغبة إتمام هذا الاستفتاء. وهو ما يدفع إلى التساؤل حول طبيعة التهديدات التي يمكن أن ترفعها الولاياتالمتحدة ومعها الدول الغربية حتى تجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعيد حساباته في قضية جعلت منها بلاده رهانها الذي لا يجب أن تخسره هذه المرة في معادلة أرقامها استراتيجية، من خسرها فقد قوة تأثيره العالمية. والمؤكد أن لافروف يكون قد سمع تحول اللهجة الأمريكية خلال لقائه، أمس، بالعاصمة البريطانية بنظيره الامريكي، جون كيري، والتي لم تخل أبدا من تهديدات معلنة تجاه موسكو. ولان السلطات الروسية تدرك ذلك جيدا فقد استبقت الموقف وسارعت إلى تنظيم أكبر مناورات عسكرية على طول الحدود الدولية مع أوكرانيا في نفس الوقت الذي أكدت فيه أنها لن تتوانى لحظة في الدفاع عن رعاياها في أوكرانيا بعد مقتل مواطن في مظاهرات وقعت في مدينة دونتسك في شرق البلاد.